بَاطِلَةً، أَوْ إحْدَاهُمَا رَاجِحَةً، لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّنَافِي، وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيرُ تَسَاوِيهِمَا بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ رُجْحَانٌ انْتَهَى. ثُمَّ الَّذِينَ مَنَعُوا الِاجْتِمَاعَ فِي الْعِلَّةِ اخْتَلَفُوا فِي الْمَأْخَذِ: فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَا يَفِي بِمُقْتَضَيَاتِ الْعِلَلِ، لِأَنَّ مُقْتَضَيَاتِهَا الْأَمْثَالُ، وَالْأَمْثَالُ - كَالْأَضْدَادِ - لَا تَجْتَمِعُ، فَعَلَى هَذَا يَمْتَنِعُ فِي الْمَنْصُوصَةِ وَالْمُسْتَنْبَطَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بَلْ يَفِي بِمُقْتَضَيَاتِهَا وَلَكِنْ يَتَعَذَّرُ شَهَادَةُ الْحُكْمِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَجْمُوعُ هُوَ الْعِلَّةُ، أَوْ يَكُونَ الْعِلَّةُ بَعْضَ الْمَجْمُوعِ دُونَ بَعْضٍ، فَيَتَعَارَضُ الِاحْتِمَالَانِ فِي الشَّهَادَةِ بِالِاسْتِقْلَالِ لِكُلِّ وَاحِدٍ، فَعَلَى هَذَا يَجْتَمِعُ فِي الْمَنْصُوصَةِ وَيَمْتَنِعُ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَانِعُونَ لِلِاجْتِمَاعِ مِنْ نَاحِيَةِ مُقْتَضَاهَا فِي الِاعْتِذَارِ عَنْ مِثْلِ الْحَائِضِ الْمُحْرِمَةِ الصَّائِمَةِ. فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مُقْتَضَيَاتُهَا أَحْكَامٌ عَدِيدَةٌ: قِيلَ: حُكْمٌ ذُو وَجْهَيْنِ، وَالتَّعَدُّدُ بِالْجِهَةِ كَالتَّعَدُّدِ بِالتَّعْيِينِ. وَقِيلَ: الْحُكْمُ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا الْمَجْمُوعُ عِلَّةٌ. وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْعِلَلَ لَا يَتَعَذَّرُ اجْتِمَاعُهَا عَلَى الْحُكْمِ الْوَاحِدِ مِنْ جِهَةِ مُقْتَضَيَاتِهَا وَلَكِنْ مِنْ جِهَةِ الشَّهَادَةِ لَهَا أَحْيَانًا، فَإِنْ الْتَبَسَتْ الشَّهَادَةُ لِأَعْدَادِهَا، كَمَا عَلَى صِحَّةِ الِاجْتِمَاعِ أَنَّ الْمُصَحَّحَ عِنْدَ الِانْفِرَادِ - وَهُوَ انْتِظَامُ الْمَصْلَحَةِ بِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ - حَاصِلٌ بِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى الْأَوْصَافِ بَلْ لِتَحْصُلَ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ مَصَالِحُ فَهُوَ بِالصِّحَّةِ أَوْلَى.
وَقَدْ أَوْرَدَ الْمَانِعُونَ إشْكَالًا وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْحُكْمُ بِعِلَلٍ فَإِمَّا: [١] أَنْ يَثْبُتَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا. [٢] أَوْ لَا شَيْءَ. [٣] أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهَا دُونَ شَيْءٍ، وَالْأَقْسَامُ كُلُّهَا بَاطِلَةٌ: أَمَّا [الْأَوَّلُ] فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ إثْبَاتُ الثَّابِتِ وَأَمَّا [الثَّانِي] فَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ سَلْبُ الْعِلَّةِ عَنْ الْكُلِّ. وَهُوَ مُنَاقِضٌ لِلْغَرَضِ. وَأَمَّا [الثَّالِثُ] فَيَلْزَمُ مِنْهُ الِاحْتِكَامُ بِتَرْجِيحِ أَحَدِ الْمُتَسَاوِيَاتِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ. ثُمَّ يَلْزَمُ سَلْبُ الْعِلَّةِ فِيمَا فَرَضْنَاهُ عِلَّةً وَهُوَ مُحَالٌ. وَأَجَابَ الْحُذَّاقُ بِاخْتِيَارِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ: قَوْلُهُمْ يَلْزَمُ إثْبَاتُ الثَّابِتِ قُلْنَا: لَا يَلْزَمُ، فَإِنَّ الْعِلَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute