الشَّرْعِيَّةَ مُعَرِّفَاتٌ وَوَقَفُوا هَاهُنَا. وَقَالَ الْقَاضِي ابْنُ الْمُنِيرِ: وَلِلْمَانِعِ أَنْ يُدِيرَ التَّقْسِيمَ مَعَ فَرْضِ كَوْنِهَا مُعَرِّفَاتٍ فَيَقُولُ؛ الْمَعْرُوفُ هُوَ الْمُثْبِتُ لِلْمُعَرِّفَةِ، فَعَلَى هَذَا إنَّمَا تَكُونُ كُلُّ وَاحِدَةٍ أَثْبَتَتْ الْمَعْرِفَةَ بِالْحُكْمِ. أَوْ لَمْ يُثْبِتْ شَيْءٌ مِنْهَا الْمَعْرِفَةَ، أَوْ أَثْبَتَهَا الْبَعْضُ، فَيَعُودُ الْإِشْكَالُ وَإِنَّمَا الْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ حَصَلَ مِنْ إلْحَاقِ الْعِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ بِالْعَقْلِيَّةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لِكَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً إلَّا أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ إذَا نُسِبَ الْحُكْمُ إلَى الْعِلَّةِ وُجِدَتْ مَصْلَحَةٌ أَوْ انْدَفَعَتْ مَفْسَدَةٌ، وَبِهَذَا التَّفْسِيرِ لَا يَتَخَيَّلُ عَاقِلٌ امْتِنَاعَ اجْتِمَاعِ الْعِلَلِ فَإِنَّ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْحُكْمُ بِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى الْأَوْصَافِ تَحْصُلُ مَفَاسِدُ عَدِيدَةٌ.
تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ
قِيلَ: الْخِلَافُ هَلْ يَجْرِي فِي التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ سَوَاءٌ، كَانَا مُتَعَاقِبَيْنِ أَمْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْمَعِيَّةِ؟ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ صَرِيحٌ فِي الْأَوَّلِ، وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِي الثَّانِيَ، وَيُسَاعِدُهُ تَمْثِيلُ الْغَزَالِيِّ بِمَنْ لَمَسَ وَبَالَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَبِهِ صَرَّحَ الْآمِدِيُّ فِي جَوَابِ دَلِيلِ الْمَانِعِينَ. قُلْت: وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الْأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيِّ: وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْعِلَلِ ضَرْبَانِ مُتَقَارِنَةٌ وَمُتَعَاقِبَةٌ، فَالْمُتَعَاقِبَةُ تَجْتَمِعُ فِي إيجَابِ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَوْ انْفَرَدَتْ لَأَوْجَبَتْ مِثْلَ ذَلِكَ الْحُكْمِ، كَالْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْمُتَعَاقِبَةِ لَا تَجْتَمِعُ فِي الْوُجُودِ، وَإِنَّمَا يَخْلُفُ بَعْضُهَا بَعْضًا فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ مِثْلُ دَمِ الْحَيْضِ يُوجِبُ تَحْرِيمَ الْوَطْءِ، ثُمَّ يَرْتَفِعُ الدَّمُ وَيَبْقَى تَحْرِيمُ الْوَطْءِ، لِأَجْلِ عَدَمِ الطَّهَارَةِ. وَقَالَ الصَّفِيُّ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي كِتَابِ النُّكَتِ: وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَمْنَعُ جَوَازَ التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ عَلَى الْجَمْعِ، وَيَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِعِلَّتَيْنِ عَلَى الْبَدَلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute