للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قُلْت: اللَّامُ فِيهِ لِلْعَاقِبَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: ٨] وَقَوْلِهِ: {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً} [الحج: ٥٣] قُلْت: لَامُ الْعَاقِبَةِ إنَّمَا تَكُونُ فِي حَقِّ مَنْ يَجْهَلُهَا، كَقَوْلِهِ: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ} [القصص: ٨] . . . أَوْ يَعْجِزُ عَنْ دَفْعِهَا، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:. . .

لِدُوا لِلْمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرَابِ

وَأَمَّا مَنْ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فَيَسْتَحِيلُ فِي حَقِّهِ مَعْنَى هَذِهِ اللَّامِ، وَإِنَّمَا اللَّامُ الْوَارِدَةُ فِي أَحْكَامِهِ وَأَفْعَالِهِ لَامُ الْحُكْمِ وَالْغَايَةِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْ الْحِكْمَةِ. وَقَوْلِهِ: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: ٨] هُوَ تَعْلِيلٌ لِقَضَاءِ اللَّهِ بِالْتِقَاطِهِ وَتَقْدِيرِهِ لَهُ، فَإِنَّ الْتِقَاطَهُمْ إنَّمَا كَانَ لِقَضَائِهِ، وَذَكَرَ فَضْلَهُمْ دُونَ قَضَائِهِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي كَوْنِهِ جَزَاءً لَهُمْ وَحَسْرَةً عَلَيْهِمْ وَعَنْ الْبَصْرِيِّينَ إنْكَارُ لَامِ الْعَاقِبَةِ.

قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَالتَّحْقِيقُ لَامُ الْعِلَّةِ، فَإِنَّ التَّعْلِيلَ فِيهَا وَارِدٌ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ دُونَ الْحَقِيقَةِ، لِأَنَّ دَاعِيَهُمْ لِلِالْتِقَاطِ لَمْ يَكُنْ لِكَوْنِهِ عَدُوًّا وَحَزَنًا، بَلْ الْمَحَبَّةُ وَالتَّبَنِّي، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ لَمَّا كَانَ نَتِيجَةَ الْتِقَاطِهِمْ لَهُ وَثَمَرَةً، شُبِّهَ بِالدَّاعِي الَّذِي يَفْعَلُ الْفِعْلَ لِأَجْلِهِ، فَاللَّامُ مُسْتَعَارَةٌ لِمَا يُشْبِهُ التَّعْلِيلَ، كَمَا اُسْتُعِيرَ الْأَسَدُ لِمَنْ يُشْبِهُ الْأَسَدَ. وَنَقَلَ ابْنُ خَالَوَيْهِ فِي كِتَابِهِ الْمُبْتَدَأِ عَنْ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهَا لَامُ الصَّيْرُورَةِ، وَعَنْ الْكُوفِيِّينَ أَنَّهَا لَامُ التَّعْلِيلِ. وَنَقَلَ ابْنُ فُورَكٍ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ كُلَّ لَامٍ نَسَبَهَا اللَّهُ لِنَفْسِهِ فَهِيَ لِلْعَاقِبَةِ وَالصَّيْرُورَةِ دُونَ التَّعْلِيلِ، لِاسْتِحَالَةِ الْغَرَضِ، فَكَأَنَّ الْمُخْبِرَ فِي " لَامِ الصَّيْرُورَةِ " قَالَ: فَعَلْتُ هَذَا بَعْدَ هَذَا، لَا أَنَّهُ غَرَضٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>