اللَّامَ، أَيْ: لِئَلَّا تَضِلَّ، وَ: لِئَلَّا تَقُولَ. وَالْبَصْرِيُّونَ يُقَدِّرُونَ الْمَفْعُولَ مَحْذُوفًا، أَيْ: كَرَاهَةَ أَنْ تَقُولُوا، أَوْ: حَذَرًا أَنْ تَقُولُوا. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَسْتَقِيمُ الطَّرِيقَانِ فِي قَوْلِهِ: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا} [البقرة: ٢٨٢] ؟ فَإِنَّك إنْ قَدَّرْت: " لِئَلَّا تَضِلَّ إحْدَاهُمَا " لَمْ يَسْتَقِمْ عَطْفُ " فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا " عَلَيْهِ، وَإِنْ قَدَّرْت: " حَذَرًا أَنْ تَضِلَّ إحْدَاهُمَا " لَمْ يَسْتَقِمْ الْعَطْفُ أَيْضًا. وَكَذَلِكَ إنْ قَدَّرْت " إرَادَةَ أَنْ تَضِلَّ ". قِيلَ: الْمَقْصُودُ إذْ كَانَ إحْدَاهُمَا تَنْسَى، إذَا نَسِيَتْ أَوْ ضَلَّتْ، فَلَمَّا كَانَ الضَّلَالُ سَبَبًا لِلِادِّكَارِ جُعِلَ مَوْضِعَ الْعِلَّةِ، كَمَا تَقُولُ: أَعْدَدْت هَذِهِ الْخَشَبَةَ أَنْ يَمِيلَ الْحَيْطُ فَأَدْعَمَهُ بِهَا، فَإِنَّمَا أَعْدَدْتهَا لِلدَّعْمِ لَا لِلْمَيْلِ. هَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ وَالْبَصْرِيِّينَ، وَقَدَّرَهُ الْكُوفِيُّونَ فِي تَذْكِيرِ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى إنْ ضَلَّتْ، فَلَمَّا تَقَدَّمَ الْجَزَاءُ اتَّصَلَ بِمَا قَبْلَهُ فَصَحَّتْ (أَنْ) .
الثَّالِثُ - إنْ " الْمَكْسُورَةُ سَاكِنَةُ النُّونِ " الشَّرْطِيَّةُ. بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشُّرُوطَ اللُّغَوِيَّةَ أَسْبَابٌ، فَلَا مَعْنَى لِإِنْكَارِ مَنْ أَنْكَرَ عَدَّهَا مِنْ ذَلِكَ. نَعَمْ، التَّعْلِيقُ مِنْ الْمَوَانِعِ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَى مَا تَرَتَّبَ عَلَى الْأَسْبَابِ، وَعَلَيْهِ الْخِلَافُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ: هَلْ الْأَسْبَابُ الْمُعَلَّقَةُ بِشَرْطٍ انْعَقَدَتْ وَتَأَخَّرَ تَرَتُّبُ حُكْمِهَا إلَى غَايَةٍ، أَوْ لَمْ تَنْعَقِدْ أَسْبَابًا؟ لَكِنْ مَنْ جَعَلَ وُجُودَ الْمَانِعِ عِلَّةً لِانْتِفَاءِ الْحُكْمِ يَصِحُّ عَلَى قَوْلِهِ إنَّ الشَّرَائِطَ مَوَانِعُ، وَهِيَ عِلَلٌ لِانْتِفَاءِ الْحُكْمِ.
الرَّابِعُ - إنَّ: كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ» قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: كَذَا عَدُّوهَا مِنْ هَذَا الْقِسْمِ، وَالْحَقُّ أَنَّهَا لِتَحْقِيقِ الْفِعْلِ، وَلَا حَظَّ لَهَا مِنْ التَّعْلِيلِ، وَالتَّعْلِيلُ فِي الْحَدِيثِ مَفْهُومٌ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ وَتَعَيُّنُهُ فَائِدَةٌ لِلذِّكْرِ. وَكَذَلِكَ أَنْكَرَ كَوْنَهَا لِلتَّعْلِيلِ الْكَمَالُ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ مِنْ نُحَاةِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَنَقَلَ إجْمَاعَ النُّحَاةِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَرِدُ لِلتَّعْلِيلِ قَالَ: وَهِيَ فِي قَوْلِهِ: «إنَّهَا مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute