للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ» لِلتَّأْكِيدِ، لَا لِأَنَّ عِلَّةَ الطَّهَارَةِ هِيَ الطَّوَافُ، وَلَوْ قَدَّرْنَا مَجِيءَ قَوْلِهِ: (هِيَ مِنْ الطَّوَّافِينَ) بِغَيْرِ إنَّ لَأَفَادَ التَّعْلِيلَ، فَلَوْ كَانَتْ " إنَّ " لِلتَّعْلِيلِ لَعُدِمَتْ الْعِلَّةُ بِعَدَمِهَا، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ " لِأَنَّهَا " وَإِلَّا لَوَجَبَ فَتْحُهَا وَلَا سَتُفِيدُ التَّعْلِيلَ مِنْ اللَّامِ. وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحَنَابِلَةِ، مِنْهُمْ الْفَخْرُ إسْمَاعِيلُ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِ جَنَّةِ الْمَنَاظِرِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ يُوسُفُ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ الْإِيضَاحِ فِي الْجَدَلِ. وَلَكِنْ مِمَّنْ صَرَّحَ بِمَجِيئِهَا لِلتَّعْلِيلِ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ جِنِّي. وَنَقَلَ الْقَاضِي نَجْمُ الدِّينِ الْمَقْدِسِيُّ فِي فُصُولِهِ قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ فِيهِ، وَأَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى إثْبَاتِهِ. وَلَيْسَ مَعَ النَّافِي إلَّا عَدَمُ الْعِلْمِ، وَكَفَى بِابْنِ جِنِّي حُجَّةً فِي ذَلِكَ.

الْخَامِسُ - الْبَاءُ: قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَضَابِطُهُ أَنْ يَصْلُحَ غَالِبًا فِي مَوْضِعِهَا اللَّامُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأنفال: ١٣] ، وَقَوْلِهِ: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ} [النساء: ١٦٠] ، {فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} [العنكبوت: ٤٠] ، وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَنْ يَدْخُلَ أَحَدُكُمْ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ» ، وَجَعَلَ مِنْهُ الْآمِدِيُّ وَالْهِنْدِيُّ {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: ١٧] وَنَسَبَهُ بَعْضُهُمْ إلَى الْمُعْتَزِلَةِ وَقَالَ: إنَّمَا هِيَ لِلْمُقَابَلَةِ، كَقَوْلِهِمْ: هَذَا بِذَلِكَ، لِأَنَّ الْمُعْطِيَ هُوَ مَنْ قَدْ يُعْطِي مَجَّانًا، وَأَمَّا الْمُسَبَّبُ فَلَا يُوجَدُ بِدُونِ السَّبَبِ. وَتَقَدَّمَ فِي الْحُرُوفِ الْفَرْقُ بَيْنَ بَاءِ السَّبَبِيَّةِ وَبَاءِ الْعِلَّةِ وَ " إنْ " تُشَارِكُ الْبَاءَ فِي التَّعْلِيلِ وَتَمْتَازُ عَنْهَا بِشَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَا يَلِيهَا فِي حُكْمِ مَنْ رَجَعَ إلَيْهِ فِيمَا يَتَكَلَّمُ فِيهِ فَقَالَ مُوَسِّعًا كَالْجَوَابِ: لِأَنَّهُ كَذَا. وَالثَّانِي: أَنَّ خَبَرَهَا غَيْرُ مَعْلُومٍ لِلْمُخَاطَبِ. أَوْ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ غَيْرِ الْمَعْلُومِ لِمَا لَمْ يَعْمَلْ بِمُقْتَضَاهُ. وَزَعَمَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ أَنَّ دَلَالَةَ الْبَاءِ عَلَى التَّعْلِيلِ مَجَازٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ ذَاتَ الْعِلَّةِ لِمَا اقْتَضَتْ وُجُودَ الْمَعْلُولِ دَخَلَ الْإِلْصَاقُ هُنَاكَ، فَحَسُنَ اسْتِعْمَالُهَا فِيهِ مَجَازًا. قَالَ الْهِنْدِيُّ: وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ. وَلِمَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>