للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقُبْلَةِ عَلَى الْمَضْمَضَةِ فِي صِحَّةِ الصَّوْمِ مَعَهَا. وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ غَيْرَ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا نَبَّهَ عَلَى نَقِيضِ قِيَاسٍ يَخْتَلِجُ فِي صَدْرِ السَّائِلِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِشْكَالَ الَّذِي عِنْدَ الْقَائِلِ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ اعْتِقَادِهِ أَنَّ الْقُبْلَةَ مُقَدِّمَةُ الْجِمَاعِ، وَالْجِمَاعُ مُفْسِدٌ وَمُقَدِّمَةُ الشَّيْءِ يَنْبَغِي أَنْ تُنَزَّلَ مَنْزِلَةَ الشَّيْءِ، لِمَا بَيْنَ الْمُقَدِّمَةِ وَالْغَايَةِ مِنْ التَّنَاسُبِ، فَنَبَّهَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّ تَعْلِيلَ تَنْزِيلِ الْقُبْلَةِ مَنْزِلَةَ الْجِمَاعِ فِي الْإِفْسَادِ بِكَوْنِهَا مُقَدِّمَةً مَنْقُوضٌ بِالْمَضْمَضَةِ فِي الْوُضُوءِ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا، فَإِنَّ الْمُقَدِّمَةَ وُجِدَتْ مِنْ الْمَضْمَضَةِ وَلَمْ يُوجَدْ الْإِفْسَادُ، وَإِلَّا فَكَيْفَ تُقَاسُ الْقُبْلَةُ عَلَى الْمَضْمَضَةِ فِي عَدَمِ الْإِفْسَادِ بِجَامِعِ كَوْنِهِمَا مُقَدِّمَتَيْنِ لِلْمُفْسِدِ، وَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ كَوْنِ الشَّيْءِ مُقَدِّمَةٌ لِفَسَادِ الصَّوْمِ وَبَيْنَ كَوْنِ الصَّوْمِ صَحِيحًا مَعَهُ، بَلْ هَذَا قَرِيبٌ مِنْ فَسَادِ الْوَضْعِ.

أَمَّا إذَا عَلِمَ الشَّارِعُ فِعْلًا مُجَرَّدًا تَكَلَّمَ عَقِيبَهُ بِحُكْمٍ فَهَلْ يَكُونُ عِلْمُهُ كَإِعْلَامِهِ حَتَّى يَكُونَ الْفِعْلُ الْمُجَرَّدُ الْمَعْلُومُ سَبَبًا؟ فِيهِ خِلَافٌ حَكَاهُ الْإِبْيَارِيُّ. وَقَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِنَادُ التَّعْلِيلِ إلَيْهِ، لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ حُكْمٌ مُبْتَدَأٌ وَجَرَى ذِكْرُ الْوَاقِعَةِ اتِّفَاقًا، وَيُحْتَمَلُ الرَّبْطُ لِقُرْبِهِ مِنْ الْقَرِينَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ جَنَّةِ النَّاظِرِ ": مِنْ أَنْوَاعِ الْإِيمَاءِ الْحُكْمُ عِنْدَ رَفْعِ الْحَادِثَةِ إلَيْهِ، كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " كَفِّرْ " لِمَنْ قَالَ: وَاقَعْتُ.

وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ إلَى أَنَّ شَرْطَ فَهْمِ التَّعْلِيلِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ وَقَعَ جَوَابًا لِمَا رُفِعَ إلَيْهِ، إذْ مِنْ الْمُمْكِنِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ اسْتِئْنَافًا لَا جَوَابًا، وَهَذَا كَمَنْ تَصَدَّى لِلتَّدْرِيسِ فَأَخْبَرَهُ تِلْمِيذٌ بِمَوْتِ السُّلْطَانِ مَثَلًا، فَأَمَرَهُ عَقِبَ الْإِخْبَارِ بِقِرَاءَةِ دَرْسِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى تَعْلِيلِ الْقِرَاءَةِ بِذَلِكَ الْخَبَرِ، بَلْ الْأَمْرُ بِالِاشْتِغَالِ بِمَا هُوَ بِصَدَدِهِ وَبِتَرْكِ مَا لَا يَعْنِيه. وَإِذَا ثَبَتَ افْتِقَارُ فَهْمِ التَّعْلِيلِ إلَى الدَّلِيلِ فَلَيْسَ إلَّا انْتِفَاءُ الْقَرَائِنِ الصَّارِفَةِ، إذْ السُّؤَالُ يَسْتَدْعِي الْجَوَابَ، فَتَأْخِيرُهُ عَنْهُ يَكُونُ تَأْخِيرًا لِلْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>