قَالَ الْإِمَامُ: وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ أَظْهَرُ فِي هَذَا مِنْ النَّظَافَةِ الْكُلِّيَّةِ الْمُرَتَّبَةِ عَلَى الْوُضُوءِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْجُمْلَةَ تَسْتَقْذِرُهَا، وَالْمُرُوءَةَ تَقْتَضِي اجْتِنَابُهَا، فَهِيَ أَظْهَرُ مِنْ اجْتِنَابِ الشُّعْثِ وَالْغَمَرَاتِ. (قَالَ) : وَلِهَذَا جَعَلَ الشَّافِعِيُّ الْوُضُوءَ بِالنِّيَّةِ مِنْ حَيْثُ الْتَحَقَ بِالْعَادَاتِ الْعَرِيَّةِ عَنْ الْأَعْرَاضِ وَضَاهَى الْعِبَادَاتِ الدِّينِيَّةَ.
وَ (مِنْهُ) سَلْبُ الْعَبْدِ أَهْلِيَّةَ الشَّهَادَةِ، لِأَنَّهَا مَنْصِبٌ شَرِيفٌ، وَالْعَبْدُ نَازِلُ الْقَدْرِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا غَيْرُ مُلَائِمٍ. وَهَذَا اسْتَشْكَلَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْحَقِّ بَعْدَ ظُهُورِ الشَّاهِدِ وَاتِّصَالِهِ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَدَفْعِ الْيَدِ الظَّالِمَةِ عَنْهُ مِنْ مَرَاتِبِ الضَّرُورَةِ، وَاعْتِبَارِ نُقْصَانِ الْعَبْدِ فِي الرُّتْبَةِ وَالْمَنْصِبِ مِنْ مَرَاتِبِ التَّحْسِينِ، وَتَرْكِ مَرْتَبَةِ الضَّرُورَةِ رِعَايَةً لِمَرْتَبَةِ التَّحْسِينِ بَعِيدًا جِدًّا. نَعَمْ، لَوْ وُجِدَ لَفْظٌ يَسْتَنِدُ إلَيْهِ فِي رَدِّ شَهَادَتِهِ وَيُعَلِّلُ هَذَا التَّعْلِيلَ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ. فَأَمَّا مَعَ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا التَّعْلِيلِ فَفِيهِ هَذَا الْإِشْكَالُ. وَقَدْ تَنَبَّهْ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لِإِشْكَالِ الْمَسْأَلَةِ فَذَكَرَ أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ لِمَنْ رَدَّ شَهَادَةَ الْعَبْدِ مُسْتَنَدًا أَوْ وَجْهًا. وَأَمَّا سَلْبُ وِلَايَتِهِ فَهُوَ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ إذْ وِلَايَةُ الْأَطْفَالِ تَسْتَدْعِي اسْتِغْرَاقًا وَفَرَاغًا، وَالْعَبْدُ مُسْتَغْرَقٌ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ، فَتَفْوِيضُ أَمْرِ الطِّفْلِ إلَيْهِ إضْرَارٌ بِالطِّفْلِ. أَمَّا الشَّهَادَةُ فَتَتَّفِقُ أَحْيَانًا، كَالرِّوَايَةِ وَالْفَتْوَى. و (مِنْهُ) مَا هُوَ مُعَارِضٌ كَالْكِتَابَةِ، فَإِنَّهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنِهَا مَكْرُمَةً فِي الْعَوَائِدِ مَا احْتَمَلَ الشَّرْعُ فِيهَا خَرْمَ قَاعِدَةٍ مُمَهَّدَةٍ، وَهِيَ امْتِنَاعُ مُعَامَلَةِ السَّيِّدِ عَبْدَهُ وَامْتِنَاعُ مُقَابَلَةِ الْمِلْكِ بِالْمِلْكِ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَضَةِ. نَعَمْ، هِيَ جَارِيَةٌ عَلَى قِيَاسِ الْمَالِكِيَّةِ فِي أَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ. وَزَعَمَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ قِيَاسِ الْوَسَائِلِ عِنْدَهُمْ، لِأَنَّهُمْ أَوْجَبُوهَا مَعَ أَنَّهَا وَسِيلَةٌ إلَى الْعِتْقِ الَّذِي لَا يَجِبُ. وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ غَيْرُ وَاجِبَةٍ. لَكِنَّهُمْ مَعَ ذَلِكَ يُقَدِّرُونَ خُرُوجَهَا عَنْ الْقِيَاسِ وَاشْتِمَالَهَا عَلَى شَائِبَتَيْ مُعَاوَضَةٍ وَتَعْلِيقٍ، عَلَى خِلَافِ قِيَاسِهِمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute