وَهَذَا الْقِسْمُ كُلُّهُ يَتَعَلَّقُ بِالدُّنْيَا، وَقَدْ يَتَعَلَّقُ بِالْآخِرَةِ، كَتَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَرِيَاضَتِهَا وَتَهْذِيبِ الْأَخْلَاقِ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى امْتِثَالِ الْأَمْرِ وَاجْتِنَابِ النَّهْيِ. وَقَدْ يَتَعَلَّقُ بِالدَّارَيْنِ، كَإِيجَابِ الْكَفَّارَاتِ، إذْ يَحْصُلُ بِهَا الزَّجْرُ عَنْ تَعَاطِي الْأَفْعَالِ الْمُوجِبَةِ لَهَا، وَتَحْصِيلِ تَلَافِي الذَّنْبِ الْكَبِيرِ. وَفَائِدَةُ مُرَاعَاةِ هَذَا التَّرْتِيبِ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ مَصْلَحَتَانِ وَجَبَ إعْمَالُ الضَّرُورَةِ الْمُهِمَّةِ وَإِلْغَاءُ التَّتِمَّةِ.
وَأَمَّا الْإِقْنَاعِيُّ فَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْهُ فِي بَادِئِ الْأَمْرِ أَنَّهُ مُنَاسِبٌ، لَكِنْ إذَا بُحِثَ عَنْهُ حَقَّ الْبَحْثِ ظَهَرَ بِخِلَافِهِ، كَقَوْلِهِمْ، فِي مَنْعِ بَيْعِ الْكَلْبِ قِيَاسًا عَلَى الْخَمْرِ وَالْمَيِّتَةِ: إذْ كَوْنُ الشَّيْءِ نَجَسًا يُنَاسِبُ إذْلَالَهُ. وَمُقَابَلَتُهُ بِالْمَالِ فِي الْبَيْعِ إعْزَازٌ لَهُ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا تَنَاقُضٌ، فَإِذَا كَانَ هَذَا الْوَصْفُ يُنَاسِبُ عَدَمَ جَوَازِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْمُنَاسَبَةَ مَعَ الِاقْتِرَانِ دَلِيلُ الْعِلِّيَّةِ فَهَذَا - وَإِنْ كَانَ مُخَيَّلًا - فَهُوَ عِنْدَ النَّظَرِ غَيْرُ مُنَاسِبٍ، إذْ، لَا مَعْنَى لِكَوْنِ الشَّيْءِ نَجِسًا إلَّا عَدَمُ جَوَازِ الصَّلَاةِ مَعَهُ، وَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ. كَذَا قَالَ الرَّازِيَّ وَتَبِعَهُ الْهِنْدِيُّ. وَقَدْ يُنَازَعُ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِهِ نَجَسًا مَنْعُ الصَّلَاةِ مَعَهُ، بَلْ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ أَحْكَامِ النَّجَسِ، وَحِينَئِذٍ فَالتَّعْلِيلُ بِكَوْنِ النَّجَاسَةِ يُنَاسِبُ الْإِذْلَالَ لَيْسَ بِإِقْنَاعِيٍّ.
الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ [تَقْسِيمُ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِبَارِ الشَّرْعِيِّ وَعَدَمِهِ]
الْمُنَاسَبَةُ تَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارِ شَهَادَةِ الشَّرْعِ لَهَا بِالْمُلَائِمَةِ وَالتَّأْثِيرِ وَعَدَمِهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ، لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَهُ، أَوْ يُعْلَمَ أَنَّهُ أَلْغَاهُ، أَوْ لَا يُعْلَمَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute