للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ قَالَ: وَمَنْ ظَنَّ ذَلِكَ بِمَالِكٍ فَقَدْ أَخْطَأَ.

وَيَتَحَصَّلُ فِي أَقْسَامِ الْمُنَاسِبَاتِ أَنْ يُقَالَ: إنْ الْمُؤَثِّرَ - وَهُوَ مَا دَلَّ النَّصُّ أَوْ الْإِجْمَاعُ عَلَى اعْتِبَارِهِ - مَقْبُولٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إلَى الْقِيَاسِ، وَمَا دَلَّ عَلَى الْغَايَةِ مَرْدُودٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَمَا لَمْ يَشْهَدْ الشَّرْعُ بِاعْتِبَارِهِ وَلَا إلْغَائِهِ فَهُوَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ:

أَحَدُهَا: الْمَنْعُ مِنْهُ مُطْلَقًا، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ، مِنْهُمْ الْقَاضِي، إذْ لَا تَدُلُّ عَلَيْهَا دَلَالَةُ الْعُقُولِ، وَلَا يَشْهَدُ لَهَا أَصْلٌ مِنْ الْأُصُولِ، وَلِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهَا رَدَّ الشَّرِيعَةِ إلَى السِّيَاسَةِ.

وَالثَّانِي: يُقْبَلُ مُطْلَقًا، وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ مَالِكٍ.

وَالثَّالِثُ: تُقْبَلُ مَا لَمْ يُصَادِفْهَا أَصْلٌ مِنْ الْأُصُولِ، طَرْدًا لِدَلِيلِ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ. وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ عَضَّدَهُ بِأَنْ قَالَ: الْأُصُولُ مُنْحَصِرَةٌ، وَالْأَحْكَامُ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ، وَلَمَّا كَانُوا مَعَ ذَلِكَ يَسْتَرْسِلُونَ فِي الْأَحْكَامِ اسْتِرْسَالَ مَنْ لَمْ يَطْلُبْ الْأُصُولَ احْتِفَاءً، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ مَرَدٍّ، وَلَا مَرَدَّ إلَّا إلَى صَحِيحِ اسْتِدْلَالٍ، وَصَارَ هَؤُلَاءِ فِي ضَبْطِ مَا يَصِحُّ بِهِ الِاسْتِدْلَال إلَى أَنَّهُ كُلُّ مَعْنَى مُنَاسِبٌ لِلْمَحَلِّ مُطَّرِدٌ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ لَا يَرُدُّهُ أَصْلٌ مَقْطُوعٌ بِهِ بِعُمُومِ عِلَّتِهِ. وَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ مُوَافَقَةَ مَالِكٍ، وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ. وَاَلَّذِي نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ لَا يَسْتَجِيزُ التَّأَنِّي وَالْإِفْرَادَ فِي الْبُعْدِ، وَإِنَّمَا يَسُوغُ تَعْلِيقُ الْأَحْكَامِ بِمَصَالِحَ يَرَاهَا شَبِيهَةً بِالْمَصَالِحِ الْمُعْتَبَرَةِ، وِفَاقًا بِالْمَصَالِحِ الْمُسْتَنِدَةِ إلَى أَحْكَامٍ ثَابِتَةِ الْأُصُولِ، فَإِنَّهُ فِي الشَّرِيعَةِ وَاجِبٌ. وَاخْتَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ نَحْوَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>