فَالْأَوَّلُ: أَنْ يَحْصُرَ الْأَوْصَافَ الَّتِي يُمْكِنُ التَّعْلِيلُ بِهَا لِلْمَقِيسِ عَلَيْهِ ثُمَّ اخْتِبَارُهَا وَإِبْطَالُ مَا لَا يَصْلُحُ مِنْهَا، بِدَلِيلِهِ: إمَّا بِكَوْنِهِ طَرْدًا، أَوْ مُلْغًى، أَوْ نَقْضِ الْوَصْفِ أَوْ كَسْرِهِ أَوْ خَفَائِهِ وَاضْطِرَابِهِ، فَيَتَعَيَّنُ الْبَاقِي لِلْعِلِّيَّةِ، وَهُوَ قَطْعِيٌّ لِإِفَادَةِ الْعِلَّةِ، وَيَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِهِ فِي الْقَطْعِيَّاتِ وَالظَّنِّيَّاتِ، فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِنَا: الْعَالَمُ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا أَوْ حَادِثًا، بَطَلَ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا فَثَبَتَ أَنَّهُ حَادِثٌ.
وَالثَّانِي كَقَوْلِنَا: وِلَايَةُ الْإِجْبَارِ إمَّا أَنْ لَا تُعَلَّلَ أَوْ تُعَلَّلَ بِالْبَكَارَةِ أَوْ الصِّغَرِ أَوْ الْأُبُوَّةِ أَوْ غَيْرِهَا. وَالْكُلُّ بَاطِلٌ سِوَى الثَّانِي، فَالْأَوَّلُ بِالْإِجْمَاعِ.
وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا» فَيَتَعَيَّنُ الثَّانِي. قَالَ الْهِنْدِيُّ: وَحُصُولُ هَذَا الْقَسْمِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ عَسِرٌ جِدًّا، أَيْ عَلَى وَجْهِ التَّنْقِيبِ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ مُعَلَّلًا بِمُنَاسِبٍ، خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ، وَيَلْتَحِقُ بِهِ الطَّرْدِيُّ إذَا قَامَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَصْلِ تَعْلِيلِهِ، كَمَا لَوْ قَامَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَعْلِيلِ حُكْمٍ بِأَحَدِ أَوْصَافٍ ثُمَّ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى إبْطَالِهَا كُلِّهَا خَلَا وَاحِدًا، فَيَتَعَيَّنُ لِلتَّعْلِيلِ وَإِنْ كَانَ طَرْدِيًّا وَإِلَّا اخْتَلَفَ الْإِجْمَاعُ. وَهُوَ مُلَخَّصُ مَا اخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ. وَأَنْ يَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ لَا تَرْكِيبَ فِيهَا، كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الرِّبَا، وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا فَلَا يَكْفِي، فَإِنَّهُ وَإِنْ بَطَلَ كَوْنُهُ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً جَازَ أَنْ يَكُونَ جُزْءًا مِنْ أَجْزَائِهَا. وَإِذَا انْضَمَّ إلَى غَيْرِهِ صَارَ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَكْفِي فِي إبْطَالِ سَائِرِ الْأَقْسَامِ الِاسْتِدْلَال عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهَا عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إبْطَالِ كَوْنِ الْمَجْمُوعِ عِلَّةً أَوْ جُزْءًا مِنْ الْعِلَّةِ، وَأَنْ يَكُونَ حَاصِرًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute