فِي الْمَسْأَلَةِ عِلَلٌ فَفَسَدَتْ إلَّا وَاحِدَةٌ، هَلْ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّتِهَا؟ وَجْهَانِ، الصَّحِيحُ: نَعَمْ، إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا، وَثَبَتَ أَنَّ مَا عَدَاهَا فَاسِدٌ، فَعُلِمَ أَنَّ الْحَقَّ فِيهَا أَوْ لَا يَجُوزُ خُرُوجُ الْحَقِّ عَنْ جَمَاعَتِهَا. انْتَهَى.
الْقِسْمُ الثَّانِي:
وَهُوَ الْمُنْتَشِرُ، بِأَنْ لَا يَدُورَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ أَوْ دَارَ وَلَكِنْ كَانَ الدَّلِيلُ عَلَى نَفْيِ عِلِّيَّةِ مَا عَدَا الْوَصْفِ الْمُعَيَّنِ فِيهِ ظَنًّا، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى مَذَاهِبَ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مُطْلَقًا، لَا فِي الْقَطْعِيَّاتِ وَلَا فِي الظَّنِّيَّاتِ، وَحَكَاهُ فِي الْبُرْهَانِ عَنْ بَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ.
الثَّانِي: أَنَّهُ حُجَّةٌ فِي الْعَمَلِيَّاتِ فَقَطْ لِأَنَّهُ يُثِيرُ غَلَبَةَ الظَّنِّ، وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ بَرْهَانٍ، وَقَالَ الْهِنْدِيُّ: إنَّهُ الصَّحِيحُ. وَمَثَّلَ ابْنُ بَرْهَانٍ اسْتِعْمَالَهُ فِي الْقَطْعِيِّ هُنَا بِقَوْلِ أَصْحَابِنَا: اللَّهُ سُبْحَانَهُ يَرَى لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ، وَكُلُّ مَوْجُودٍ يَصِحُّ أَنْ يَرَى. وَفِي الظَّنِّيِّ بِقَوْلِهِمْ: الْإِيلَاءُ إمَّا أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا أَوْ يَمِينًا، فَإِذَا بَطَلَ أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا ثَبَتَ أَنَّهُ يَمِينٌ. فَإِنْ قِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَا طَلَاقًا وَلَا يَمِينًا وَلَهُ حُكْمٌ آخَرُ. قُلْنَا: نَحْنُ لَا نَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الشَّرْعِ حُكْمٌ آخَرُ فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا وَلَا يَمِينًا، وَلَكِنَّ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّنَا هُوَ هَذَا الْقَدْرُ، وَالْمَقْصُودُ إظْهَارُ غَلَبَةِ الظَّنِّ، وَهِيَ حَاصِلَةٌ. (انْتَهَى) .
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ حُجَّةٌ لِلنَّاظِرِ دُونَ الْمُنَاظِرِ، وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ، وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ: بِقَيْدٍ تَضَمَّنَ إبْطَالَ مَذْهَبِ الْخَصْمِ دُونَ تَصْحِيحِ مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ، إذْ لَا يَمْنَعُ أَنْ يُقَالَ: مَا أَبْطَلْته بَاطِلٌ، وَمَا اخْتَرْته بَاطِلٌ، وَالْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ الَّذِي وَقَعَ الْبَحْثُ فِيهِ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى، فَلَا يَصْلُحُ السَّبْرُ لِإِثْبَاتِ مَعْنَى الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا يَصْلُحُ لِإِبْطَالِ مَذْهَبِ الْخَصْمِ. وَحَكَى الْقَاضِي ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْقَبَسِ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ، وَعَزَاهُ لِلشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ وَالْقَاضِي وَسَائِرِ الْأَصْحَابِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute