قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ فَقَدْ نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ ضِمْنًا وَتَصْرِيحًا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، فَمِنْ الضِّمْنِ قَوْلُهُ: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ} [الأنعام: ١٣٩] إلَى قَوْلِهِ: {حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام: ١٣٩] ، وَمِنْ التَّصْرِيحِ قَوْلُهُ: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الأنعام: ١٤٣] إلَى قَوْلِهِ: {الظَّالِمِينَ} [الأنعام: ١٤٤] .
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْمَسَالِكِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَنَازَعَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، مِنْهُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فِي جَدَلِهِ فَقَالَ: إنَّهُ شَرْطٌ لَا دَلِيلٌ، لِأَنَّ الْوَصْفَ الَّذِي يَنْفِيه السَّبْرُ إمَّا أَنْ يَقْطَعَ بِمُنَاسَبَتِهِ فَهُوَ التَّخْرِيجُ، أَوْ يَعْرُوَ عَنْهَا فَهُوَ الطَّرْدِيُّ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُعَلِّلَ بِهِ، أَوْ لَا يَقْطَعَ بِوُجُودِهِ فِيهِ وَلَا عَدَمِهَا فَهُوَ الشَّبَهُ، فَلَا بُدَّ فِي الْعِلَّةِ مِنْ اعْتِبَارِ وُجُودِ الْمَصْلَحَةِ أَوْ صَلَاحِيَّتِهَا لِذَلِكَ. وَيَلْزَمُ مِنْهُ مَا ذَكَرْنَاهُ. إلَّا أَنَّ التَّقْسِيمَ إذَا كَانَ دَائِرًا بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فَأُبْطِلَ أَحَدُ الْقِسْمَيْنِ مَثَلًا تَعَيَّنَ الْمَطْلُوبُ فِي الثَّانِي قَطْعًا، كَقَوْلِنَا: الْعَالَمُ إمَّا قَدِيمٌ وَإِمَّا حَادِثٌ، مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا لِكَذَا، فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ حَادِثًا، فَإِنَّ هَذَا وَنَحْوَهُ بُرْهَانٌ قَطْعِيٌّ، وَهُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْمَنْطِقِيِّ ب " الشَّرْطِيِّ الْمُتَّصِلِ ".
وَقَالَ فِي " أُصُولِهِ ": أَكْثَرُ النُّظَّارِ عَدُّوا هَذَا الْمَسْلَكَ دَلِيلًا عَلَى التَّعْلِيلِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَذَلِكَ أَنَّ مَا يَنْفِيه السَّبْرُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ ظَاهِرَ الْمُنَاسَبَةِ، وَهُوَ قِيَاسُ الْعِلَّةِ، أَوْ صَالِحًا لَهَا، وَهُوَ الشَّبَهُ، فَالتَّحْقِيقُ أَنْ يُقَالَ عَلَى التَّعْلِيلِ هُنَا هُوَ الْمُنَاسَبَةُ، غَيْرَ أَنَّ السَّبْرَ عَيْنُ دَلِيلِ الْوَصْفِ، فَالسَّبْرُ إذَنْ شَرْطٌ، لَا دَلِيلٌ، وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْمَسَالِكِ النَّظَرِيَّةِ، فَلَيْسَ مَسْلَكًا بِنَفْسِهِ، بَلْ هُوَ شَرْطُ الْمَسَالِكِ النَّظَرِيَّةِ. وَقَدْ حُكِيَ عَنْ قَوْمٍ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ فِي الدَّوَرَانِ أَنَّهُ شَرْطٌ لِلْعِلَّةِ لَا تَثْبُتُ مَعَ دَلِيلٍ عَلَيْهَا، وَهُوَ يَتَمَشَّى مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي السَّبْرِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. انْتَهَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute