للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ جَزَمَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى بِأَنَّهُ إذَا اسْتَقَامَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى مُنَاسَبَةٍ، وَنَازَعَهُ شَارِحُهُ الْعَبْدَرِيّ أَيْضًا، لِاعْتِقَادِهِ بِأَنَّ السَّبْرَ لَيْسَ مِنْ مَسَائِلِ الْعِلَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ خَادِمٌ لِلْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ، أَيْ بِهِ يَتَقَيَّدُ الْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ الْمُخْتَلِطُ بِغَيْرِهِ. وَقَالَ الْإِبْيَارِيُّ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ: السَّبْرُ يَرْجِعُ إلَى اخْتِبَارٍ فِي أَوْصَافِ الْمَحَلِّ وَضَبْطِهَا، وَالتَّقْسِيمُ يَرْجِعُ إلَى إبْطَالِ مَا يَظْهَرُ إبْطَالُهُ فِيهَا، فَإِذَنْ لَا يَكُونُ مِنْ الْأَدِلَّةِ بِحَالٍ. وَإِنَّمَا تَسَامَحَ الْأُصُولِيُّونَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّلِيلِ هُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي جُمْلَةِ الْأَوْصَافِ، وَالدَّلِيلُ الثَّانِي دَلَّ عَلَى التَّعْيِينِ. وَإِلَّا فَالسَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ لَيْسَ هُوَ دَلِيلًا قَالَ: وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ:

إحْدَاهَا: أَنْ يَتَبَيَّنَ الْمَطْلُوبُ فِي الْجُمْلَةِ:

وَثَانِيهَا: سَبْرٌ خَاصٌّ.

وَثَالِثُهَا: إبْطَالُ مَا عَدَا الْمُخْتَارِ. فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ مَعْلُومَةً حَصَلَ الْعِلْمُ بِالْمَطْلُوبِ وَإِلَّا فَلَا، بَلْ تَحْصُلُ غَلَبَةُ الظَّنِّ. ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَوْضِعُ مِمَّا يُكْتَفَى فِيهِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ اُكْتُفِيَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا قَالَ: وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ خِلَافٌ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي شَرْحِهِ: زَعَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ السَّبْرَ إذَا دَارَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فَهُوَ التَّقْسِيمُ، وَعَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ فِي الْعَقْلِيَّاتِ، وَإِلَّا فَهُوَ السَّبْرُ، وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ، بَلْ السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ مُتَغَايِرَانِ مُتَلَازِمَانِ فِي الدَّلَالَةِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَفِي الْفِقْهِيَّاتِ سَوَاءٌ دَارَتْ الْقِسْمَةُ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ أَمْ لَا. فَالسَّبْرُ إذَنْ فِي الْعَقْلِيَّاتِ: اخْتِبَارُ الْمُقَدَّرَاتِ لِيَنْظُرَ أَيُّهَا الْحَقُّ. وَالتَّقْسِيمُ أَنْ يَقْسِمَ الصِّحَّةَ وَالْبُطْلَانَ بَيْنَهُمَا فَيَعْتَبِرَ مَا هُوَ الْعِلَّةُ، وَيُلْغِي مَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ. وَقَدْ بَانَ لَك بِهَذَا أَنَّ الدَّلِيلَ لَيْسَ نَفْسَ السَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ، وَإِنَّمَا الدَّلِيلُ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ إضَافَةَ الْعِلِّيَّةِ إلَى الْعِلَّةِ، وَهُوَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ أَحَدَ الْأَوْصَافِ عِلَّةٌ مَعَ دَلِيلِ إلْغَاءِ سَائِرِ الْأَوْصَافِ إلَّا الْمُبْقَى فَيَتَعَيَّنُ، وَتَقْرِيرُ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ أَحَدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>