الْأَوْصَافِ عِلَّةُ الِاسْتِقْرَاءِ مِنْ سِبْرِ الْأَوَّلِينَ فَإِنَّهُمْ عَلَّلُوا الْأَحْكَامَ بِجُمْلَتِهَا، أَوْ عَلَّلُوا أَكْثَرَهَا، وَالْأَكْثَرِيَّةُ مُلْحَقَةٌ بِالْعُمُومِ، وَحَكَمُوا بِأَنَّ الْعِلَّةَ لَا تَعْدُو أَوْصَافَ الْمَحَلِّ، فَيَجِبُ إلْحَاقُ كُلِّ صُورَةٍ بِالْعَامِّ أَوْ بِالْأَغْلَبِ. وَتَقْرِيرُ إبْطَالِ مَا عَدَا الْمُبْقَى يَكُونُ بِأَدِلَّةِ الْإِبْطَالِ، كَبَيَانِ أَنَّ الْأَوْصَافَ طَرْدِيَّةٌ، أَوْ لَا مُنَاسَبَةَ فِيهَا، أَوْ يَقُولُ: بَحَثْت فَلَمْ تَظْهَرْ لِي مُنَاسَبَةٌ قَالَ: وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِالثَّانِي إشْكَالٌ، فَإِنَّ الْمُبْقَى لَمْ تَظْهَرْ مُنَاسَبَتُهُ أَيْضًا، وَإِلَّا بَطَلَتْ فَائِدَةُ السَّبْرِ وَخُصُوصِيَّتُهُ. وَكَبَيَانِ الْإِلْغَاءِ فِي الْأَوْصَافِ لِوُجُودِ الْحُكْمِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ بِالْمُبْقَى مُنْفَرِدًا عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَوْصَافِ، فَيَنْدَفِعُ احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ الْمُبْقَى جُزْءَ عِلَّةٍ مَعَ بَقِيَّةِ الْأَوْصَافِ.
(قَالَ) : وَمِنْ الْأَسْئِلَةِ الْعَاصِمَةِ لِمَسْلَكِ السَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ أَنَّ الْمُبْقَى لَا يَخْلُو فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ مُنَاسِبًا، أَوْ شَبَهًا، أَوْ طَرْدًا خَالِيًا، لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَشْتَمِلَ عَلَى مَصْلَحَةٍ أَوْ لَا، فَإِنْ اشْتَمَلَ عَلَى مَصْلَحَةٍ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مُنْضَبِطَةً لِلْفَهْمِ، أَوْ كُلِّيَّةً لَا تَنْضَبِطُ.
فَالْأَوَّلُ: الْمُنَاسِبُ.
وَالثَّانِي: الشَّبَهُ. وَإِنْ لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى مَصْلَحَةٍ أَصْلًا فَهُوَ الطَّرْدُ الْمَرْدُودُ. فَإِنْ كَانَ ثَمَّ مُنَاسَبَةٌ أَوْ شَبَهٌ لَغَا السَّبْرَ وَالتَّقْسِيمَ. فَإِنْ كَانَ عُرْيًا عَنْ الْمُنَاسَبَةِ قَطْعًا لَمْ يَنْفَعْ السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ أَيْضًا. فَإِنْ قُلْت: يَنْفَعُ فِي حَمْلِ النَّظَرِ فِي الْمُنَاسَبَةِ عَلَى الْمُجْتَهِدِ. قُلْت: لَا يُحْمَلُ ذَلِكَ عَنْهُ، لِأَنَّ الْمُنَاسَبَةَ عِنْدَنَا أَمْرٌ وُجُودِيٌّ مَكْشُوفٌ، حَتَّى يُقَالَ: إنَّهُ ذَوْقِيٌّ أَوْ ضَرُورِيٌّ كَالْمَحْسُوسِ، فَالْمُجْتَهِدُ إذًا يَعْلَمُهُ إذَا لَمْ يَذُقْ فِيهِ مَصْلَحَةً مُنْضَبِطَةً وَلَا غَيْرَهَا أَنَّهُ لَا مُنَاسِبَ وَلَا شَبَهَ فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ طَرْدٌ.
التَّنْبِيهُ الثَّانِي:
نَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْقَاضِي أَنَّ السَّبْرَ وَالتَّقْسِيمَ مِنْ أَقْوَى مَا تَثْبُتُ بِهِ الْعِلَلُ، وَاسْتَشْكَلَهُ، وَوَجَّهَهُ الْإِبْيَارِيُّ بِأَنَّ مُثْبِتَ الْعِلَّةِ بِالْمُنَاسَبَةِ أَوْ الشَّبَهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute