قَطْعًا، وَالْجَوْهَرُ وَالْعَرَضُ مُتَلَازِمَانِ مَعَ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ فِي الْآخَرِ اتِّفَاقًا، وَالْمُتَضَايِفَانِ - كَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ - مُتَلَازِمَانِ وُجُودًا وَعَدَمًا، مَعَ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ فِي الْآخَرِ لِوُجُوبِ تَقَدُّمِ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ وَوُجُوبِ مُصَاحَبَةِ الْمُتَضَايِفَيْنِ وَإِلَّا لَمَا كَانَا مُتَضَايِفَيْنِ.
وَقَدْ ضُعِّفَ هَذَا الْقَوْلُ، أَعْنِي تَجْوِيزَ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ أَمْرًا وَرَاءَ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّ هَذَا لَوْ صَحَّ لَجَرَى فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ، كَالْإِيمَاءِ وَنَحْوِهِ. وَمِنْ الْعَجِيبِ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الْمَذْهَبِ اعْتَرَفُوا بِصِحَّةِ السَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ وَإِنْ لَمْ تَقْتَرِنْ بِهِ مُنَاسَبَةٌ، وَهُوَ رَاجِعٌ لِلطَّرْدِ، فَإِنَّ غَايَتَهُ أَنَّ الْأَوْصَافَ الْمُقَارِنَةَ لِلْحُكْمِ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى خُرُوجِ بَعْضِهَا عَنْ صَلَاحِيَةَ التَّعْلِيلِ، فَعُلِمَ صِحَّةُ التَّعْلِيلِ بِالْبَاقِي، وَلَا تَجِدُ النِّصْفَ الْبَاقِيَ سِوَى مُقَارَنَتِهِ الْحُكْمَ فِي الْوُجُودِ مَعَ انْتِقَاءِ الظَّفَرِ بِدَلِيلِ انْتِفَاءِ صَلَاحِيَتِهِ لِلتَّعْلِيلِ، وَذَلِكَ مُجَرَّدُ طَرْدٍ لَا عَكْسَ فِيهِ، وَاذَا كَانَ السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى اقْتِرَانِ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ وُجُودًا عُلِمَ أَنَّ مَنْ أَخَذَ بِهِ وَأَنْكَرَ الطَّرْدَ وَالْعَكْسَ كَمَنْ أَخَذَ بِالْمُقَدِّمَةِ الْوَاحِدَةِ وَأَنْكَرَ دَلَالَةَ الْمُقَدِّمَتَيْنِ، وَكَمَنْ أَخَذَ بِالْكَثْرَةِ فِي الْأَلْفِ وَأَنْكَرَهَا فِي الْأَلْفَيْنِ.
التَّفْرِيعُ:
إنْ اعْتَبَرْنَاهُ فَشَرَطَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي صِحَّتِهِ أَنْ يَصِحَّ اقْتِضَاؤُهُ مِنْ الْأَصْلِ، كَالشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ فِي الْخَمْرِ. قَالَ: وَكَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إذَا لَمْ تَقُمْ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ وَالتَّحْلِيلَ كَانَ لِأَجْلِهِ لَمْ يَكُنْ دَالًّا عَلَى صِحَّةِ الْعِلِّيَّةِ، لِأَنَّ الْعِلِّيَّةَ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِلْحُكْمِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْعُ دَالًّا عَلَى الْأَصْلِ. قَالَ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ يَقُولُ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْجَرَيَانِ هَلْ هُوَ دَالٌّ عَلَى صِحَّةِ الْعِلِّيَّةِ أَمْ لَا؟ عَلَى مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ دَالٌّ عَلَيْهَا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ بِانْفِرَادِهِ لَا يَكُونُ عِلَّةً حَتَّى لَا تَدْفَعَهُ الْأُصُولُ، فَإِنْ دَفَعَتْهُ لَمْ يَكُنْ عِلَّةً.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ عِلَّةٌ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّتِهِ. قَالَ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute