قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَتَنَاهَى الْقَاضِي فِي تَغْلِيطِ مَنْ يَعْتَقِدُ رَبْطَ حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، وَنَقَلَهُ إلْكِيَا عَنْ الْأَكْثَرِينَ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ، لِأَنَّهُ يَجِبُ تَصْحِيحُ الْعِلَّةِ فِي نَفْسِهَا أَوَّلًا ثُمَّ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ ثَمَرَةُ الْعِلَّةِ، فَالِاسْتِثْمَارُ بَعْدَ التَّصْحِيحِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ مَا حَقُّهُ فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ عَلَمًا عَلَى ثُبُوتِ الْأَصْلِ. قَالَ: وَقَدْ رَأَيْنَا فِي الطَّرْدِ صُوَرًا لَا يَتَخَيَّلُ عَاقِلٌ صِحَّتَهَا، كَتَشْبِيهِ الصَّلَاةِ بِالطَّوَافِ، وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي " شَرْحِ الْكِفَايَةِ " عَنْ الْمُحَصِّلِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ. وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ - فِيمَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ فِي " تَعْلِيقِهِ " عَنْهُ: - لَا يَجُوزُ أَنْ يُدَانَ اللَّهُ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي " الْعُدَّةِ ": الطَّرْدُ جَرَيَانُ الْعِلَّةِ فِي مَعْلُولَاتِهَا وَسَلَامَتِهَا مِنْ أَصْلٍ يَرُدُّهَا وَيَنْفِيهَا. وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهَا. وَذَهَبَ طَوَائِفُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ إلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ، وَمَالَ إلَيْهِ الْإِمَامُ الرَّازِيَّ، وَجَزَمَ بِهِ الْبَيْضَاوِيُّ. قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيُّ: وَحَكَاهُ الشَّيْخُ فِي التَّبْصِرَةِ عَنْ الصَّيْرَفِيِّ. وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ. فَإِنَّ ذَاكَ فِي الِاطِّرَادِ الَّذِي هُوَ الدَّوَرَانُ. وَقَالَ الْكَرْخِيّ: هُوَ مَقْبُولٌ جَدَلًا، وَلَا يَسُوغُ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ عَمَلًا، وَلَا الْفَتْوَى بِهِ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: ذَهَبَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْعِلِّيَّةِ، وَاقْتَدَى بِهِ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْعِرَاقِ، فَصَارُوا يَطْرُدُونَ الْأَوْصَافَ عَلَى مَذَاهِبِهِمْ وَيَقُولُونَ. إنَّهَا قَدْ صَحَّتْ، كَقَوْلِهِمْ فِي مَسِّ الذَّكَرِ: مَسُّ آلَةِ الْحَرْثِ فَلَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ، كَمَا إذَا مَسَّ الْفَدَّانَ. وَإِنَّهُ طَوِيلٌ مَشْقُوقٌ فَأَشْبَهَ الْبُوقَ. وَفِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ: إنَّهُ سَعْيٌ بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَلَا يَكُونُ رُكْنًا فِي الْحَجِّ. كَالسَّعْيِ بَيْنَ جَبَلَيْنِ بِنَيْسَابُورَ. وَلَا يَشُكُّ عَاقِلٌ أَنَّ هَذَا سُخْفٌ. قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَسَمَّى أَبُو زَيْدٍ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ الطَّرْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute