وَأَمَّا الْمَنْصُوصَةُ فَإِنْ كَانَتْ بِنَصٍّ ظَاهِرٍ فَيَظْهَرُ بِمَا أَوْرَدَهُ الْمُعْتَرِضُ أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يُرِدْ التَّعْلِيلَ بِأَنْ ظَهَرَ ذَلِكَ مِنْ مُقْتَضَى لَفْظِهِ، فَتَخْصِيصُ الظَّاهِرِ وَإِنْ كَانَ بِنَصٍّ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ فَإِنْ عَمَّ بِصِيغَةٍ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهَا تَخْصِيصٌ فَلَا مَطْمَعَ فِي تَخْصِيصِهَا، لِقِيَامِ الْقَطْعِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ وَجَرَيَانِهَا عَلَى اطِّرَادٍ، وَنَصُّ الشَّارِعِ لَا يُصَادِمُ، وَإِنْ نَصَّ الشَّارِعُ عَلَى شَيْءٍ وَعَلَى تَخْصِيصِهِ فِي كَوْنِهِ عِلَّةً لِمَسَائِلَ مَعْدُودَةٍ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ إلْكِيَا: مَيْلُ الْإِمَامِ إلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يَتَّجِهُ فِي صُورَةِ النَّقْضِ مَعْنًى أَمْكَنَ تَقْدِيرُ مُشَابَهَةِ مَحَلِّ النِّزَاعِ إيَّاهَا فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى فَلَا يُعَدُّ نَقْضًا، فَإِنَّ مَنْشَأَ النَّقْضِ عِنْدَهُ أَنْ يُبَيِّنَ كَوْنَ مَحَلِّ النِّزَاعِ نَازِعًا إلَى أَصْلَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ. فَإِنَّهُ إذَا كَانَتْ شَهَادَةُ الْأَصْلِ مُتَأَيِّدَةً بِالْمَعْنَى فَلَا شَهَادَةَ بِصُورَةِ النَّقْضِ مِنْ حَيْثُ لَا مُشَابَهَةَ فَاعْتِبَارُ وَجْهِ الشَّهَادَةِ أَوْلَى. قَالَ إلْكِيَا: وَهَذَا حَسَنٌ بَيِّنٌ، فَلَوْ كَانَ يَتَّجِهُ مَعَهُ وَلَوْ عَلَى بُعْدٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يُعَدُّ نَقْضًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ النَّقْضَ لَا يُبْطِلُ أَصْلَ الدَّلَالَةِ وَلَكِنْ يَقْدَحُ فِي ثُبُوتِهَا فَلَا يَتَبَيَّنُ بِهِ انْعِدَامُهُ. قَالَ إلْكِيَا: وَاَلَّذِي عِنْدَنَا أَنَّ مَا لَا يُبَيَّنُ بِهِ مُعَيَّنٌ وَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ وَجْهُ تَشْبِيهٍ فَهُوَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ ظُهُورِ اسْتِثْنَاءٍ فِي مَقْصُودِ الشَّرْعِ. هَذَا فِي الْعِلَلِ الْمُخَيَّلَةِ، أَمَّا الْأَشْبَاهُ فَسَتَأْتِي مَرَاتِبُهَا. ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ شَهَادَةَ الْعِلَّةِ إنْ تَرَجَّحَتْ قَطْعًا عَلَى شَهَادَةِ صُورَةِ النَّقْضِ لِمَحَلِّ النِّزَاعِ فَلَا نَقْضَ بِهِ. فَعَلَى هَذَا النَّقْضُ لَيْسَ أَصْلًا بِنَفْسِهِ وَلَكِنْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمُعَارَضَةِ، وَفِيهَا مَزِيدُ قُوَّةٍ لِمَا تَقَدَّمَ.
وَالثَّالِثَ عَشَرَ: وَهُوَ اخْتِيَارُ الْغَزَالِيِّ فَقَالَ: تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ لَهُ ثَلَاثُ صُوَرٍ:
إحْدَاهَا: أَنْ يَعْرِضَ فِي جَرَيَانِ الْعِلَّةِ مَا يَقْتَضِي عَدَمَ اطِّرَادِهَا، وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute