النَّقْضُ دَلِيلًا عَلَى فَسَادِ الْعِلَّةِ وَأَنْ يَكُونَ مُعَرِّفًا لِتَخْصِيصِهَا، فَهَذَا يَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ بَيْنَهُمْ فِي الْجَدَلِ لِلْمُنَاظِرِ. وَأَمَّا الْمُجْتَهِدُ الْمُنَاظِرُ فَيُحْتَمَلُ إلْحَاقُهُ بِهِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ اعْتِقَادُ فَسَادِهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعْتَقِدَ اسْتِنَادَهُ رُخْصَةً.
الثَّانِيَةُ: أَنْ تَنْتَفِيَ الْعِلَّةُ، لَا لِخَلَلٍ فِي نَفْسِهَا، لَكِنْ يَنْدَفِعُ الْحُكْمُ عَنْهُ بِمُعَارَضَةِ عِلَّةٍ أُخْرَى، فَهَذَا لَا يَرِدُ نَقْضًا لِأَنَّ الْحُكْمَ حَاصِلٌ فِيهِ تَقْدِيرًا. كَقَوْلِنَا: إنَّ عِلَّةَ رِقِّ الْوَلَدِ مِلْكُ الْأُمِّ ثُمَّ وَجَدْنَا الْمَغْرُورَ بِحُرِّيَّةِ أُمِّهِ يَنْعَقِدُ وَلَدُهُ حُرًّا، فَقَدْ وُجِدَ رِقُّ الْأُمِّ وَانْتَفَى رِقُّ الْوَلَدِ. لَكِنْ عَارَضَتْهُ عِلَّةٌ أُخْرَى وَهِيَ وُجُوبُ الْغُرْمِ عَلَى الْمَغْرُورِ، وَلَوْلَا أَنَّ الرِّقَّ فِي حُكْمِ الْحَاصِلِ الْمُنْدَفِعِ لَمْ تَجِبْ قِيمَةُ الْوَلَدِ.
الثَّالِثَةُ: أَنْ يَمِيلَ النَّقْضُ عَنْ صَوْبِ جَرَيَانِ الْعِلَّةِ وَيَتَخَلَّفُ الْحُكْمُ لَا لِخَلَلٍ فِي رُكْنِ الْعِلَّةِ لَكِنْ لِعَدَمِ مُصَادَفَتِهَا مَحَلَّهَا وَشَرْطَهَا وَأَهْلَهَا. كَقَوْلِنَا: السَّرِقَةُ عِلَّةُ الْقَطْعِ، وَقَدْ وُجِدَتْ فِي حَقِّ النَّبَّاشِ، فَيَنْتَقِضُ بِسَرِقَةِ الصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ، أَوْ دُونَ النِّصَابِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ. فَهَذَا لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ الْمُجْتَهِدُ، لِأَنَّ نَظَرَهُ فِي تَحْقِيقِ الْعِلَّةِ دُونَ شَرْطِهَا وَمَحَلِّهَا، فَهُوَ مَائِلٌ عَنْ صَوْبِ نَظَرِهِ. أَمَّا الْمُنَاظِرُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ أَمْ يُقْبَلُ مِنْهُ الْعُذْرُ بِأَنَّ هَذَا مُنْحَرِفٌ عَنْ مَقْصِدِ النَّظَرِ، وَلَيْسَ الْبَحْثُ عَنْ الْمَحَلِّ وَالشَّرْطِ. وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْجَدَلِيُّونَ، وَالْخَطْبُ فِيهِ سَهْلٌ، وَتَكْلِيفُ الِاحْتِرَازِ جَمْعٌ لِنَشْرِ الْكَلَامِ، وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ.
وَقَسَّمَ ابْنُ الْقَطَّانِ النَّقْضَ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ مُنْتَقَضَةً عَلَى أَصْلِ السَّائِلِ وَالْمَسْئُولِ، فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّائِلِ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهَا، لِأَنَّهُمَا قَدْ اتَّفَقَا عَلَى إبْطَالِهَا.
ثَانِيهَا: أَنْ تَكُونَ صَحِيحَةً عَلَى أَصْلِهِمَا جَمِيعًا، فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمَسْئُولَ الْمَصِيرُ إلَيْهَا، إلَّا أَنْ يَدْفَعَهَا بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْإِبْطَالِ. كَقَوْلِ الْعِرَاقِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute