يَسْأَلُ الشَّافِعِيُّ عَنْ الْمُتَكَلِّمِ فِي الصَّلَاةِ سَاهِيًا فَقَالَ: لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ قِيَاسًا عَلَى مَنْ وَطِئَ فِي حَجِّهِ نَاسِيًا. لِأَنَّا قَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى بُطْلَانِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ تَعَمَّدَ بَطَلَ. فَلِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَقُولَ: هَذَا لَا يَلْزَمُ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَلَى أَصْلِيَ، لِأَنَّ مِنْ أَصْلِيَ أَنَّ مَنْ وَطِئَ فِي صَوْمِهِ وَأَكَلَ نَاسِيًا لَمْ يَبْطُلْ. وَلَوْ وَطِئَ عَامِدًا يَبْطُلْ. وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ غَيْرَ هَذِهِ الْعِلَّةِ. فَإِنْ قَالَ السَّائِلُ: إنِّي أَلْزَمْتُك هَذَا لِتَقُولَ بِهِ فِي كُلِّ فُرُوعِك، فَلِلْمَسْئُولِ أَنْ يَقُولَ: لَا يَلْزَمُنِي - لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ السَّائِلِ أَنْ يُسَلِّمَ لِلْمَسْئُولِ أُصُولَهُ كُلَّهَا مَا خَلَا الْمَسْأَلَةَ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا.
وَثَالِثُهَا: أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ جَارِيَةً عَلَى أَصْلِ الْمَسْئُولِ مُنْتَقَضَةً عَلَى أَصْلِ السَّائِلِ، كَالْعِرَاقِيِّ يَسْأَلُ الشَّافِعِيَّ عَنْ الْحَائِضِ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا هَلْ يَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَقْرَبَهَا؟ فَقَالَ: لَا. فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: لِمَ قُلْت بِالْجَوَازِ؟ وَيَكُونُ دَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّا قَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنْ يَجُوزَ لِزَوْجِهَا أَنْ يَقْرَبَهَا، وَكَانَ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ جَوَازَ الصَّوْمِ لَهَا، وَكُلُّ مَنْ جَازَ لَهُ الصَّوْمُ جَازَ لَهُ الْقُرْبَانُ. فَلِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَقُولَ: لَا يَلْزَمُ، لِأَنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً عَلَى أَصْلِي فَهِيَ بَاطِلَةٌ عَلَى أَصْلِك فَلَا يَجُوزُ لَك إلْزَامُهَا. وَذَلِكَ أَنَّ دَمَهَا لَوْ انْقَطَعَ دُونَ الْعَشْرِ عِنْدَك لَجَازَ لَهَا أَنْ تَصُومَ وَلَمْ يَجُزْ لِزَوْجِهَا أَنْ يَقْرَبَهَا. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ: لَا يَجُوزُ لِلْمَسْئُولِ أَنْ يَنْقُضَ عِلَّةَ السَّائِلِ بِأَصْلِ نَفْسِهِ، وَأَجَازَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ، وَكَانَ الْجُرْجَانِيُّ مِنْهُمْ يَسْتَعْمِلُهُ. وَذَكَرَهُ فِي تَصْنِيفِهِ الْمُسَمَّى بِ " التَّهْذِيبِ ". قَالَ الْقَاضِي: وَسَأَلْت الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ الْأَشْعَرِيَّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَهُ وَجْهٌ فِي الِاحْتِمَالِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: مَهْرُ الْمِثْلِ يَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، لِأَنَّهُ يَسْتَقِرُّ بِالدُّخُولِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَنَصَّفَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَهُ أَصْلُهُ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ، فَيَقُولُ الْمَسْئُولُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ: هَذَا يَنْتَقِضُ عَلَى أَصْلِيَ بِالْمُسَمَّى بَعْدَ الْعَقْدِ، فَإِنَّهُ يَسْتَقِرُّ بِالْوَطْءِ وَلَا يَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَهُ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ جَمِيعُهُ كَمَا يَسْقُطُ جَمِيعُ مَهْرِ الْمِثْلِ. أَوْ يَقُولُ الْمُخَالِفُ: لَا يَجِبُ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا السُّكْنَى، لِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا، قِيَاسًا عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ، فَيَقُولُ الشَّافِعِيُّ: هَذَا يَنْتَقِضُ بِالْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنِ الْحَائِلِ، فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَيَجِبُ السُّكْنَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute