تَقْدِيرِيٌّ، وَهُوَ دَافِعٌ لِلنَّقْضِ عَلَى الْأَظْهَرِ، تَنْزِيلًا لِلْمُقَدَّرِ مَنْزِلَةَ الْمُحَقَّقِ، كَقَوْلِنَا: رِقُّ الْأُمِّ عِلَّةٌ لِرِقِّ الْوَلَدِ، فَيَكُونُ هَذَا الْوَلَدُ رَقِيقًا. فَإِنْ نُقِضَ بِوَلَدِ الْمَغْرُورِ بِحُرِّيَّةِ أُمِّهِ حَيْثُ كَانَ رِقُّ الْأُمِّ مَوْجُودًا مَعَ انْعِقَادِ الْوَلَدِ حُرًّا، قُلْنَا: رِقُّ الْأُمِّ مَوْجُودٌ، وَتَقْدِيرُ وُجُودِهِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ رَقِيقًا ثُمَّ يَعْتِقُ عَلَى الْمَغْرُورِ، إذْ لَا قِيمَةَ لِلْحُرِّ.
قَالَ فِي " الْمَحْصُولِ ": وَالتَّحْقِيقِيُّ دَافِعٌ لِلنَّقْضِ إذَا كَانَ الْحُكْمُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْتَدِلِّ وَخَصْمِهِ، أَوْ كَانَ مَذْهَبًا لِلْمُسْتَدِلِّ فَقَطْ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَفِ بِطَرْدِ عِلَّتِهِ فَلَأَنْ لَا يَجِبَ عَلَى غَيْرِهِ أَوْلَى، فَإِنْ كَانَ مَذْهَبًا لِخَصْمِهِ فَقَطْ لَمْ يَتَوَجَّهْ لِأَنَّ خِلَافَهُ كَخِلَافِهِ فِي الصُّورَةِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا. وَلَوْ مُنِعَ الْمُسْتَدِلُّ تَخَلَّفَ الْحُكْمُ فَفِي تَمْكِينِ الْمُعْتَرِضِ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي مَنْعِ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ.
وَهُنَا فَرْعٌ حَسَنٌ: لَوْ نَقَضَ الْمُعْتَرِضُ فَقَالَ الْمُسْتَدِلُّ الْمُنْتَصِرُ لِمَذْهَبِ إمَامٍ: لَا أَعْرِفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَصًّا، وَلَا يَلْزَمُنِي النَّقْضُ، فَهَلْ يُدْفَعُ بِذَلِكَ النَّقْضِ؟ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي " الْمُلَخَّصِ فِي الْجَدَلِ ". وَمَثَّلَهُ بِاسْتِدْلَالِ الْحَنَفِيِّ عَلَى الْقَارِنِ أَنَّهُ إذَا قَتَلَ صَيْدًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ جَزَاءَانِ، لِأَنَّهُ أَدْخَلَ النَّقْضَ عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَلَزِمَهُ جَزَاءَانِ، كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَقَتَلَ صَيْدًا، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَقَتَلَ صَيْدًا. فَقَالَ لَهُ: هَذَا يَنْتَقِضُ بِمَا إذَا أَحْرَمَ الْمُتَمَتِّعُ بِالْعُمْرَةِ فَجَرَحَ صَيْدًا، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَجَرَحَهُ ثُمَّ مَاتَ، فَإِنَّهُ أَدْخَلَ النَّقْضَ عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ثُمَّ لَا يَلْزَمُهُ جَزَاءَانِ. فَيَقُولُ الْمُخَالِفُ: لَا أَعْرِفُ نَصًّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
ثُمَّ قَالَ: رَأَيْت الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبَ يَقُولُ فِي مِثْلِ هَذَا: إذَا جَوَّزْتَ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبُكَ عَلَى مَا أَلْزَمْتُهُ وَجَبَ أَنْ لَا يُحْتَجَّ بِهَذَا الْقِيَاسِ، قَالَ: وَعِنْدِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute