التَّعَرُّضُ لِنَفْيِ الْمَانِعِ، بِأَنْ يَذْكُرَ قَيْدًا يُخْرِجُ بِهِ مَحَلَّ النَّقْضِ؟ فِيهِ مَذَاهِبُ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مُطْلَقًا، لِئَلَّا تُنْقَضَ الْعِلَّةُ.
وَالثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ مُطْلَقًا، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَنَقَلَهُ الْهِنْدِيُّ فِي " النِّهَايَةِ " عَنْ الْأَكْثَرِينَ. وَقَالَ: إنَّهُ الْحَقُّ، كَمَا فِي سَائِرِ الْمَعَارِضِ.
وَالثَّالِثُ: إنْ كَانَ سَبَبًا، وَهُوَ مَا يَرِدُ عَلَى كُلِّ عِلَّةٍ، كَالْعَرَايَا، لَمْ يَلْزَمْهُ، وَإِلَّا كَالتَّطَوُّعِ فِي مَسْأَلَةِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ لَزِمَهُ، إذْ لَا يَبْقَى إلَّا الدَّعْوَى الْمُجَرَّدَةُ فِي خُرُوجِهِ عَنْ الْقَاعِدَةِ. وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ فِي " شِفَاءِ الْعَلِيلِ " وَلَمْ يَقِفْ ابْنُ دَقِيقٍ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ فَقَالَ: لَوْ قِيلَ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَجْهٌ.
الرَّابِعُ: إنْ كَانَ مُنَاظِرًا وَجَبَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ نَاظِرًا مُجْتَهِدًا فَكَذَلِكَ، إلَّا فِيمَا اشْتَهَرَ مِنْ الْمُسْتَثْنَيَاتِ فَصَارَ كَالْمَذْكُورَةِ. وَقَالَ فِي " شِفَاءِ الْعَلِيلِ ": أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَثْنِ وَجَبَ عَلَى النَّاظِرِ. وَأَمَّا الْمُجْتَهِدُ فَهَلْ يَنْقَطِعُ ظَنُّهُ عَنْ الْعِلَّةِ الَّتِي ظَنَّهَا؟ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى الظَّنُّ مَعَ وُرُودِ النَّقْضِ؟ تَرَدَّدَ الْقَاضِي فِي هَذَا، بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِبُطْلَانِ الْعِلَّةِ بِمِثْلِ هَذَا النَّقْضِ، هَلْ هُوَ مَعْلُومٌ أَوْ مَظْنُونٌ؟ قَالَ: وَالْمُخْتَارُ عِنْدِي: إنْ قَدَحَ الِاعْتِذَارُ عَنْ مَسْأَلَةِ النَّقْضِ بِفَرْقٍ فِقْهِيٍّ، فَلَا شَكَّ فِي انْقِطَاعِ الظَّنِّ، وَإِنْ لَمْ يَقْدَحْ عُذْرٌ فَفِي انْقِطَاعِ الظَّنِّ نَظَرٌ. تَنْبِيهٌ:
الْمُرَادُ بِالِاحْتِرَازِ عَنْهُ ذِكْرُهُ إمَّا فِي أَوَّلِ الدَّلِيلِ، أَوْ بَعْدَ تَوَجُّهِ النَّقْضِ عَلَيْهِ، وَلَا يُعَدُّ مُنْقَطِعًا. هَذَا اصْطِلَاحُ مُتَأَخِّرِي الْجَدَلِيِّينَ. وَأَمَّا الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْهُمْ فَاعْتَبَرُوهُ أَوَّلَ الدَّلِيلِ، وَقَالُوا: إنْ أُخِذَ الْقَيْدُ لِلنَّقْضِ فِي الدَّلِيلِ أَوَّلًا قُبِلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute