وَيَذْكُرُ صُورَةَ النَّقْضِ، كَمَا لَوْ أَسْقَطَ فِي الْمِثَالِ قَوْلَنَا: فَيَجِبُ أَدَاؤُهَا، إذْ لَيْسَ كُلُّ مَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ يَجِبُ قَضَاؤُهُ بِدَلِيلِ الْحَائِضِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: وَهَذَا الْقِسْمُ أَكْثَرُ وُقُوعِهِ فِي الْوَصْفِ الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ رَاجِعٌ إلَى عَدَمِ التَّأْثِيرِ وَالنَّقْضِ، كَقَوْلِنَا فِي بَيْعِ الْغَائِبِ مَثَلًا: بَيْعٌ مَجْهُولُ الصِّفَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ عَبْدًا. فَيَقُولُ عَلَى الصُّورَةِ الْأُولَى: خُصُوصُ كَوْنِهِ بَيْعًا لَا أَثَرَ لَهُ، لِأَنَّ الْمَرْهُونَ كَذَلِكَ، فَبَقِيَ كَوْنُهُ عَقْدًا الَّذِي هُوَ وَصْفٌ يَعُمُّهُمَا، وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِالنِّكَاحِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا أَثَرَ لِكَوْنِهِ بَيْعًا بِدَلِيلِ الْمَرْهُونِ، فَسَقَطَ هَذَا الْجُزْءُ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا مَجْهُولَةُ الصِّفَةِ. . . آخِرُهُ. وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِالنِّكَاحِ.
وَأَمَّا الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ فَعَرَّفَا الْكَسْرَ بِوُجُودِ الْحِكْمَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ مَعَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْهُ، فَالنَّقْضُ حِينَئِذٍ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ، وَالْكَسْرُ تَخَلُّفُهُ عَنْ حِكْمَتِهَا، فَهُوَ نَقْضٌ عَلَى مَعْنَى الْعِلَّةِ دُونَ لَفْظِهَا، أَيْ الْحِكْمَةِ دُونَ الْمَظِنَّةِ، بِخِلَافِ النَّقْضِ. كَقَوْلِ الْحَنَفِيِّ فِي الْعَاصِي بِسَفَرِهِ: مُسَافِرٌ فَوَجَبَ أَنْ يَتَرَخَّصَ، كَالطَّائِعِ فِي سَفَرِهِ. وَيَتَبَيَّنُ وَجْهُ مُنَاسَبَةِ السَّفَرِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ فَيُقَالُ: مَا ذَكَرْتَهُ مِنْ الْحِكْمَةِ، وَهِيَ الْمَشَقَّةُ، مُنْتَقِضَةٌ بِمَشَقَّةِ الْحَمَّالِينَ وَأَرْبَابِ الصَّنَائِعِ الشَّاقَّةِ فِي الْحَضَرِ، وَلَا رُخْصَةَ لَهُمْ. ثُمَّ ذَكَرَا بَعْدَ ذَلِكَ النَّقْضَ الْمَكْسُورَ وَهُوَ النَّقْضُ عَلَى بَعْضِ أَوْصَافِ الْعِلَّةِ. ثُمَّ قَالُوا: وَاخْتَلَفُوا فِي إبْطَالِهِمَا لِلْعِلِّيَّةِ. وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُبْطِلٍ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إنَّهُ الْمُخْتَارُ. وَأَمَّا صَاحِبُ " الْمِنْهَاجِ " فَذَكَرَ الْكَسْرَ فَقَطْ وَعَرَّفَهُ بِعَدَمِ تَأْثِيرِ أَحَدَيْ الْمُرَكَّبِ الَّذِي ادَّعَى الْمُسْتَدِلُّ عِلِّيَّتَهُ وَنَقَضَ الْآخَرُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي " الْمَحْصُولِ "، وَعَدُّوهُ مِنْ قَوَادِحِ الْعِلِّيَّةِ. قَالَ الْهِنْدِيُّ: وَهُوَ مَرْدُودٌ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ إلَّا إذَا بَيَّنَ الْخَصْمُ إلْغَاءَ الْقَيْدِ، وَنَحْنُ لَا نَعْنِي بِالْكَسْرِ إلَّا إذَا بُيِّنَ، أَمَّا إذَا لَمْ يُبَيَّنْ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ مَرْدُودٌ، وَأَمَّا إذَا بُيِّنَ مَوْضِعُ النِّزَاعِ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ قَادِحٌ. وَقَوْلُ الْآمِدِيَّ: وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute