وَلَوْ عَكَسَ لَوَجَبَ اتِّبَاعُهُ وَأَرَادَ بِهِ مُطْلَقَ الْفَرْقِ وَهُوَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ حُكْمِ الصُّورَتَيْنِ بِدَلِيلٍ حَصَلَ لِحُصُولِ ذَلِكَ مِنْهُ وَلِجَمْعِهَا. وَأَعْنِي الْفَرْقَ النَّصِّيَّ وَالْقِيَاسِيَّ، وَيَكُونُ النَّصِّيُّ تَابِعًا لِلْقِيَاسِيِّ، كَحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، فَإِنَّ فِيهِ النَّظَرَ الْمَذْكُورَ وَالْمَعْنَى الْمُنَاسِبَ وَهُوَ حُصُولُ الْمَشَقَّةِ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ
قُلْت: وَقَدْ قَالَ الْخَصْمُ لِلشَّافِعِيِّ فِي فَرْقِهِ بَيْنَ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ وَفَوْقَهُ فِي تَحْرِيمِ الْمُبَاشَرَةِ فِي الْحَيْضِ: هَلْ تَجِدُ بَيْنَهُمَا فَرْقًا سِوَى الْخَبَرِ؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَيُّ فَرْقٍ أَحْسَنُ مِنْ الْخَبَرِ؟ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَرْقَ بِالنَّصِّ عِنْدَهُ مَقْبُولٌ فِي مَقَامِ الْمُنَاظَرَةِ وَحَكَى ذَلِكَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
مَسْأَلَةٌ
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " النِّهَايَةِ "، فِي بَابِ الْعَيْبِ فِي الْمَنْكُوحَةِ: الْفَرْقُ نَوْعَانِ: (أَحَدُهُمَا) يَقَعُ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْنِ. وَ (الثَّانِي) يَقَعُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَمَأْخَذَيْنِ.
فَمَا ثَبَتَ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْنِ يَثْبُتُ وَيَنْتَفِي وَيَنْعَكِسُ، وَمَا يَقَعُ بَيْنَ مَأْخَذَيْنِ يُبَيَّنُ مَأْخَذُ كُلِّ جِهَةٍ. ثُمَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الِانْفِصَالَ بِنَفْيَيْنِ وَإِثْبَاتَيْنِ (انْتَهَى) .
وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى إيضَاحٍ، وَمَعْنَاهُ - كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ: أَنَّ الْفَرْعَ الْوَاقِعَ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْنِ هُوَ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الْقِيَاسِ، لِأَنَّ الْقَائِسَ جَمَعَ بَيْنَ أَصْلٍ وَفَرْعٍ بِعِلَّةٍ، وَالْفَارِقُ فَرَّقَ بَيْنَهُمْ بِعِلَّةٍ أُخْرَى يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ بِثُبُوتِهَا، وَيَنْتَفِي فِي الْفَرْعِ بِانْتِفَائِهَا. وَهَذَا مَعْنَى الِاطِّرَادِ وَالِانْعِكَاسِ، وَاقْتَصَرُوا فِي كِتَابِ الْقِيَاسِ عَلَى هَذَا النَّوْعِ، لِأَنَّهُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي جَوَابِ الْقِيَاسِ، وَكُلٌّ مِنْ الْعِلَّةِ وَاقْتِضَائِهَا الْحُكْمَ مَعْلُومٌ، وَإِنَّمَا النَّظَرُ فِي وُجُودِهَا فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَعَدَمِهَا، هُوَ تَصْدِيقٌ مَسْبُوقٌ بِتَصَوُّرٍ.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي هُوَ الْوَاقِعُ بَيْنَ حَقِيقَتَيْنِ لِيُمَيِّزَ بَيْنَهُمَا وَيُبَيِّنَ اللُّبْسَ عَمَّنْ يَتَوَهَّمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute