للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُمَا حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ، أَوْ بَيْنَ انْتِفَائِهَا لِحُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِيَتَمَيَّزَ ذَلِكَ وَيَنْتَفِيَ اللُّبْسُ عَمَّنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ مَأْخَذَ الْحُكْمَيْنِ وَاحِدٌ، وَأَنَّ انْتِفَاءَ الْحَقِيقَتَيْنِ وَاحِدٌ، وَهُوَ يُوجِبُ الِانْفِصَالَ بِنَفْيَيْنِ وَإِثْبَاتَيْنِ، وَإِنَّهُ حَيْثُ انْتَفَى يَنْتَفِي الْحُكْمُ وَحَيْثُ. ثَبَتَ يَثْبُتُ الْحُكْمُ، هُوَ مُطَّرِدٌ مُنْعَكِسٌ كَالنَّوْعِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي الْفِقْهِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ، وَهُوَ أَكْثَرُ وَأَنْفَعُ مِنْ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ بِهِ تَتَمَيَّزُ الْحَقَائِقُ وَالْمَآخِذُ وَيُفْهَمُ تَرْتِيبُ الْفِقْهِ عَلَيْهَا.

وَمِنْ هَذَا: الْفَرْقُ بَيْنَ حَقِيقَةِ انْفِسَاخِ النِّكَاحِ فِي الرِّدَّةِ وَفَسْخِهِ بِالْعُيُوبِ، فَيُعْلَمُ أَنَّهُمَا حَقِيقَتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ مِنْ طَارِئٍ غَيْرِ مُسْتَنِدٍ إلَى أَمْرٍ مُقَارِنٍ، وَالثَّانِي مُسْتَنِدٌ إلَى مُقَارِنٍ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ رِدَّةِ الزَّوْجِ وَرِدَّةِ الزَّوْجَةِ، حَيْثُ كَانَتْ رِدَّةً مُنْتَظَرَةً بَيْنَهُمَا بِطَلَاقِهِ، وَرِدَّتُهَا حَيْثُ كَانَتْ هِيَ الْقَاطِعَةَ كَالرَّضَاعِ فَاخْتَلَفَ الْمَأْخَذُ. وَهَذَا كَثِيرٌ، وَفِيهِ صَنَّفَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ كِتَابَ " الْجَمْعِ وَالْفَرْقِ ".

وَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ. وَمَعْنَاهُ: الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا. فَإِنْ كَانَ بَيْنَ حَقِيقَتَيْنِ فَهُوَ النَّوْعُ الْأَوَّلُ. وَإِنْ كَانَ بَيْنَ مَحَلَّيْنِ فَهُوَ النَّوْعُ الثَّانِي. وَالْأَوَّلُ أَنْفَعُ وَأَفْقَهُ. وَيُمْكِنُ رَدُّ الْأَوَّلِ إلَى الثَّانِي وَإِدْرَاجُهُ فِي قَوْلِ الْفُقَهَاءِ: الْفَرْقُ أَبَدًا مَعْنًى فِي إحْدَى الصُّورَتَيْنِ مَفْقُودٌ فِي الْأُخْرَى، لِأَنَّ النِّزَاعَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ صُورَتَيْنِ، أَعْنِي فِي الْقِيَاسِ. فَالْفَارِقُ إنْ نَازَعَ فِي حَقِيقَةِ الْعِلَّةِ أَوْ فِي اقْتِضَائِهَا فَهُوَ النَّوْعُ الْأَوَّلُ، وَإِذَا تَمَّ لَهُ مَا ادَّعَاهُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، لِافْتِرَاقِهِمَا فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى. وَإِنْ سَلَّمَ حَقِيقَةَ الْعِلَّةِ وَاقْتِضَاءَهَا وَنَازَعَ فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَالْفَرْعِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى فَهُوَ النَّوْعُ الثَّانِي. وَالْمَقْصُودُ بِالْفَرْقِ يَحْصُلُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ.

مَسْأَلَةٌ

كُلُّ فَرْقٍ مُؤَثِّرٍ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْنِ يُؤَثِّرُ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْجَامِعَ أَظْهَرُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>