وَالْخَامِسُ - إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُدْرَكٌ غَيْرُهُ جَازَ الْقِيَاسُ، وَإِلَّا إنْ كَانَ الْمَنْعُ خَفِيًّا لَمْ يَنْقَطِعْ، وَإِلَّا انْقَطَعَ. وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ فِي غَايَةِ الْأَمَلِ ". ثُمَّ إذَا قُلْنَا: لَا يَنْقَطِعُ، فَهَلْ يَلْزَمُ إقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ؟ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: لَا، فَإِنَّهُ يَقُولُ: إنَّمَا قِسْتُ عَلَى أَصْلِي وَهُوَ بَعِيدٌ، لِأَنَّهُ إنْ قَصَدَ إثْبَاتَهُ لِنَفْسِهِ فَلَا وَجْهَ لِلْمُنَاظَرَةِ، وَإِنْ قَصَدَ إثْبَاتَهُ عَلَى خَصْمِهِ فَلَا يَسْتَقِيمُ مَنْعُ مَنْعِهِ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ. وَوَهَمَ ابْنُ الْحَاجِبِ فَحَكَى عَنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ لَا يَسْمَعُ وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى دَلَالَةٍ عَلَى مَحَلِّ الْمَنْعِ. وَالْمَوْجُودُ فِي الْمُلَخَّصِ " وَغَيْرِهِ لِلشَّيْخِ سَمَاعُ الْمَنْعِ. ثُمَّ إذَا قُلْنَا: يَلْزَمُهُ الدَّلِيلُ، فَإِنْ اسْتَدَلَّ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ فَذَاكَ، أَوْ بِقِيَاسٍ فَإِنْ كَانَ بِعَيْنِ الْجَامِعِ الْأَوَّلِ، فَقِيلَ: لَا يَصِيرُ مُنْقَطِعًا، لِأَنَّهُ طُولٌ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ. وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ قَصْدُهُ إظْهَارَ فِقْهِ الْمَسَائِلِ وَالتَّدْرِيبَ فِيهَا وَتَكْثِيرَ الْأُصُولِ الدَّالَّةِ عَلَى اعْتِبَارِ الْوَصْفِ.
وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ فَقَالَ الْبَرَوِيُّ: يَصِيرُ مُنْقَطِعًا، لِأَنَّهُ إنْ حَقَّقَهُ فِي الْفَرْعِ فَقَدْ انْتَقَلَ إلَى عِلَّةٍ أُخْرَى، وَإِنْ لَمْ يُحَقِّقْهُ فَقَدْ اعْتَرَفَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ. وَذَهَبَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ وَجَمَاعَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ، لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّهُ اعْتَرَفَ بِأَنَّ الْأَصْلَ الْأَوَّلَ قَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ عِلَّتَانِ، وَلَا امْتِنَاعَ فِيهِ. نَعَمْ، يَلْزَمُهُ إثْبَاتُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْعِلَّتَيْنِ: فَإِنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ تَمَّ لَهُ مَقْصُودُهُ، وَإِنْ عَجَزَ انْقَطَعَ حِينَئِذٍ. ثُمَّ إذَا قُلْنَا: لَا يُعَدُّ مُنْقَطِعًا وَلَهُ أَنْ يُقِيمَ الدَّلِيلَ، فَإِذَا أَقَامَهُ فَاخْتَلَفُوا فِي انْقِطَاعِ الْمُعْتَرِضِ، فَقِيلَ: يَنْقَطِعُ حَتَّى يُسَوِّغَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْكَلَامَ لِأَنَّهُ يُبَيِّنُ فَسَادَ الْمَنْعِ، وَحَسْمًا لِبَابِ التَّطْوِيلِ. وَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ مَا قَالَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ وَغَيْرُهُ: إنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ، فَإِنَّ قَبُولَ الْمَنْعِ إنَّمَا كَانَ يَدُلُّ الْمُسْتَدِلَّ الدَّلِيلَ عَلَى مَحَلِّ الْمَنْعِ، فَكَيْفَ يَقْنَعُ مِنْهُ بِمَا يَدَّعِيهِ دَلِيلًا فَيَجِبُ تَمْكِينُ الْخَصْمِ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute