بِالطَّعَامِ، إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ» فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، وَتَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ الْمُشْتَقِّ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً. فَإِنْ قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ: تَرَكْتَ النَّصَّ أَوَّلًا: فَلَمْ تَسْتَدِلَّ بِهِ، وَاسْتَدْلَلْتَ بِغَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا بُدَّ لَك مَعَهُ مِنْ النَّصِّ، وَهَذَا تَطْوِيلٌ. فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَدَلَّ أَوَّلًا بِالنَّصِّ لَاحْتَاجَ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّ الِاسْمَ الْمُفْرَدَ يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى فَكَانَ الْأَقْرَبُ إلَى مَقْصُودِهِ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِغَيْرِ النَّصِّ وَيَدَّخِرَ النَّصَّ لِمَقْصُودِهِ الْإِلْغَاءَ، وَهَذَا مَقْصُودٌ صَحِيحٌ. فَإِنْ كَانَ هَذَا الْعُذْرُ مُطَّرِدًا فِي جَمِيعِ صُوَرِ الْإِلْغَاءِ كَانَ السُّؤَالُ السَّابِقُ مُنْدَفَعًا.
وَثَانِيهِمَا مَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ، كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُرْتَدَّةِ: يَجِبُ قَتْلُهَا، لِأَنَّهُ شَخْصٌ كَفَرَ بَعْدَ إيمَانِهِ، كَالرَّجُلِ. فَيَقُولُ الْحَنَفِيُّ: أُعَارِضُ فِي الْأَصْلِ: الْوَصْفُ فِي الرُّجُولِيَّةِ فَإِنَّهُ مُنَاسِبٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ النَّاجِزِ بِالْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ مَفْقُودٌ فِي الْمَرْأَةِ. فَيَقُولُ الشَّافِعِيُّ: وَصْفُ الرُّجُولِيَّةِ مُلْغًى بِإِيمَاءِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى قَتْلِ جَمِيعِ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ جِهَةِ تَعْلِيقِهِ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ بِوَصْفِ (التَّبْدِيلِ) .
الثَّانِي: إلْغَاءٌ بِتَبْدِيلِ الْأَصْلِ: وَصُورَتُهُ أَنْ يُبَيِّنَ الْمُسْتَدِلُّ صُورَةً ثَالِثَةً يُثْبِتُ فِيهَا الْحُكْمَ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى وَفْقِ عِلَّتِهِ بِدُونِ مَا عَارَضَ بِهِ الْمُعْتَرِضُ فِي الْأَصْلِ الثَّانِي، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبِرًا فِيهِ مَعَ كَوْنِهِ مَعْدُومًا. وَأَمَّا الْمُعَارَضَةُ فِي الْفَرْعِ: فَهِيَ أَنْ يُعَارِضَ حُكْمَ الْفَرْعِ بِمَا يَقْتَضِي نَقِيضَهُ أَوْ ضِدَّهُ، بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ، أَوْ بِوُجُودِ مَانِعٍ، أَوْ بِفَوَاتِ شَرْطٍ. فَيَقُولُ: مَا ذَكَرْت مِنْ الْوَصْفِ وَإِنْ اقْتَضَى ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ فَعِنْدِي وَصْفٌ آخَرُ يَقْتَضِي نَقِيضَهُ، فَتَوَقَّفَ دَلِيلُك. مِثَالُ النَّقِيضِ: إذَا بَاعَ الْجَارِيَةَ إلَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute