حَمْلَهَا صَحَّ فِي وَجْهٍ، كَمَا لَوْ بَاعَ هَذِهِ الصِّيعَانَ إلَّا صَاعًا. فَنَقُولُ: لَا يَصِحُّ، كَمَا لَوْ بَاعَ الْجَارِيَةَ إلَّا يَدَهَا. وَمِثَالُ الضِّدِّ: الْوِتْرُ وَاجِبٌ، قِيَاسًا عَلَى التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ، بِجَامِعِ مُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَنَقُولُ: فَيُسْتَحَبُّ قِيَاسًا عَلَى الْفَجْرِ، بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُفْعَلُ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ لِفَرْضٍ مُعَيَّنٍ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الْوِتْرَ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرَ فِي وَقْتِ الصُّبْحِ، وَلَمْ يُعْهَدْ مِنْ الشَّرْعِ وَضْعُ صَلَاتَيْ فَرْضٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.
وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: أَمَّا الْمُعَارَضَةُ فِي حُكْمِ الْفَرْعِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ الْمُعَلِّلُ عِلَّةً فِي إثْبَاتِ حُكْمِ الْفَرْعِ وَنَفْيِ حُكْمِهِ، فَيُعَارِضُهُ خَصْمُهُ بِعِلَّةٍ أُخْرَى تُوجِبُ مَا تُوجِبُهُ عِلَّةُ الْمُعَلِّلِ، فَتَعَارَضَ الْعِلَّتَانِ فَتَمْنَعَانِ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا بِتَرْجِيحِ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي قَبُولِ هَذَا الِاعْتِرَاضِ: فَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ لَا سِيَّمَا الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْجَدَلِيِّينَ، مُحْتَجِّينَ بِأَنَّ دَلَالَةَ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى مَا ادَّعَاهُ قَدْ تَمَّتْ. قَالَ الْهِنْدِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرٌ إلَّا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمُعَارَضَةُ بِفَوَاتِ الشَّرْطِ فَإِنَّا نُبَيِّنُ عَدَمَ تَمَامِ دَلَالَتِهِ إذْ ذَاكَ، وَإِذَا تَمَّتْ دَلَالَتُهُ فَقَدْ وَفَى بِمَا الْتَزَمَ فِي الِاسْتِدْلَالِ، فَهُوَ بَعْدَ ذَلِكَ مُخَيَّرٌ: إنْ شَاءَ سَمِعَ الْمُعَارَضَةَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَسْمَعْ - كَاسْتِدْلَالِ مُسْتَأْنِفٍ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ حَقَّ الْمُعْتَرِضِ أَنْ يَكُونَ هَادِمًا لَا بَانِيًا، وَالْمُعَارَضَةُ فِي حُكْمِ الْفَرْعِ بِنَاءٌ لَا هَدْمٌ، بِخِلَافِ الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ، فَإِنَّ حَاصِلَهَا يَرْجِعُ إلَى مَنْعِ الْمُقَدِّمَةِ، وَهِيَ كَوْنُ الْحُكْمِ مُعَلَّلًا بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْوَصْفِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ قَبُولِهَا ثُمَّ قَبُولِهَا هُنَا. وَقَبِلَهُ الْأَكْثَرُونَ، لِقِيَامِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الدَّلِيلَ مَعَ وُجُودِ الْمُعَارِضِ عُطْلٌ، وَلِأَنَّ الْمُسْتَدِلَّ عِنْدَ وُرُودِهَا مُتَحَكِّمٌ، وَالتَّحَكُّمُ بَاطِلٌ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّهُ طَرِيقٌ لِلْهَدْمِ، وَقَدْ يَتَعَيَّنُ طَرِيقًا لِلْهَدْمِ، فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ لَبَطَلَ مَقْصُودُ الْمُنَاظَرَةِ وَالْبَحْثِ وَالِاجْتِهَادِ، وَلِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ غَصْبًا لِمَنْصِبِ التَّعْلِيلِ أَنْ لَوْ ذَكَرَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute