الْمُعْتَرِضُ لِإِثْبَاتِ مَذْهَبِهِ. وَهُوَ لَا يَذْكُرُهَا لِذَلِكَ، لِاتِّفَاقِ دَلِيلِ خَصْمِهِ. وَهَذَا الْقَوْلُ صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ فِي " الْمَنْخُولِ " وَقَدْ رَأَيْتَ ابْنَ بَرْهَانٍ فِي " الْأَوْسَطِ " نَقَلَ عَنْهُ إبْطَالَ الْمُعَارَضَةِ ثُمَّ رَأَيْت إلْكِيَا الطَّبَرِيَّ سَبَقَهُ إلَى نَقْلِ ذَلِكَ عَنْهُ فَقَالَ فِي كِتَابِ " التَّلْوِيحِ ": صَارَ الْغَزَالِيُّ إلَى بُطْلَانِ الْمُعَارَضَةِ عَلَى مَا سَمِعْنَا الْإِمَامَ يَنْقُلُهُ عَنْهُ وَكَانَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ امْتِنَاعَ التَّنَاقُضِ فِي أَدِلَّةِ الشَّرْعِ، فَإِذَا اعْتَرَفَ السَّائِلُ بِصِحَّةِ عِلَّةِ الْمُعَلِّلِ وَاسْتِقْلَالِهَا بِالْحُكْمِ، وَالْمَسْئُولُ يُنْكِرُ صِحَّةَ تَعْلِيلِهِ. وَإِنْ هُوَ أَرَادَ إظْهَارَهُ فَقَدْ تَنَاقَضَ وَقَالَ بِتَعَارُضِ النُّصُوصِ، وَلِأَنَّ حَقَّ السَّائِلِ أَنْ يَكُونَ هَادِمًا غَيْرَ بَانٍ، وَالْمُعَارَضَةُ تَقْتَضِي الْبِنَاءَ إنْ كَانَ التَّرْجِيحُ لِتَعْلِيلِ السَّائِلِ أَوْ سَاقِطَةٌ إنْ كَانَ التَّرْجِيحُ لِعِلَّةِ الْمَسْئُولِ، فَلَا يَخْلُو مِنْ طَرَفَيْ نَقِيضٍ وَوَجْهَيْ فَسَادٍ.
وَنَحْنُ نَقُولُ: السَّائِلُ لَمْ يَقْصِدْ الْبِنَاءَ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُ الْهَدْمَ، فَإِنَّ مَقْصُودَهُ إعَانَةُ الْمَسْئُولِ عَلَى إتْمَامِ غَرَضِهِ بِإِيضَاحِ التَّرْجِيحِ، وَلَا يَنَالُ هَذِهِ إلَّا بِالْمُعَارَضَةِ. (قَالَ) : وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُعَلِّلَ لَوْ اسْتَدَلَّ بِظَاهِرٍ فَلِلسَّائِلِ أَنْ يُؤَوِّلَ وَيَعْتَضِدَ بِالْقِيَاسِ، وَإِذَا صَحَّتْ الْمُعَارَضَةُ فَالسَّائِلُ لَا يُرَجِّحُ، فَإِنَّهُ يَكُونُ بَانِيًا، هَذَا إذَا أَمْكَنَهُ قَطْعُ التَّرْجِيحِ عَنْ الدَّلِيلِ. فَأَمَّا إذَا كَانَ الدَّلِيلُ فِي وَضْعِهِ أَرْجَحَ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَبِلَ الْمُعَارَضَةَ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا لَا يَجِدُ غَيْرَهُ. فَإِنْ رَجَّحَ الْمَسْئُولُ مُكِّنَ السَّائِلُ مِنْ مُعَارَضَةِ التَّرْجِيحِ (انْتَهَى) . ثُمَّ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُعْتَرِضِ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ مَا عَارَضَ بِهِ مُسَاوٍ لِدَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ، بَلْ يَكْفِي مِنْهُ بَيَانُ مُطْلَقِ الْمُعَارِضِ. وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُسْتَدِلِّ فَإِنَّهُ لَا يُكْتَفَى مِنْهُ فِي دَفْعِهَا إلَّا بِبَيَانِ أَنَّ دَلِيلَهُ رَاجِحٌ عَلَى مَا عَارَضَ بِهِ الْمُعْتَرِضُ، لِأَنَّ الْمُسْتَدِلَّ مُدَّعٍ لِاسْتِقْلَالِ دَلِيلِهِ بِالْحُكْمِ، وَالْمُعَارِضُ مُنْكِرٌ لَهُ، وَالْمُنْكِرُ يَكْفِيهِ مُطْلَقُ الْإِنْكَارِ، بِخِلَافِ الْمُدَّعِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute