وَإِذَا تَمَّتْ الْمُعَارَضَةُ مِنْ السَّائِلِ فَهَلْ يَنْقَطِعُ الْمُسْتَدِلُّ أَمْ يُسْمَعُ مِنْهُ التَّرْجِيحَ؟ فَقِيلَ: يَنْقَطِعُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ إنْ عَجَزَ عَنْ تَرْجِيحِ دَلِيلِهِ. وَجَوَابُهُ بِالْقَدْحِ بِمَا يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ إنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَدِلِّ.
وَاخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَتَيْنِ:
إحْدَاهُمَا: فِي دَفْعِهِ بِالتَّرْجِيحِ بِمُرَجِّحٍ أَقْوَى مِنْ مُرَجِّحِهِ: فَقِيلَ: يُمْنَعُ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا فَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ اعْتِرَاضًا وَالْمُخْتَارُ - وَرَجَّحَهُ الْمُحَقِّقُونَ - جَوَازُهُ لِأَنَّهُ مَوْطِنُ تَعَارُضٍ، وَقَدْ لَا يَجِدُ السَّائِلُ غَيْرَهُ مُرَجِّحًا. وَقَضِيَّةُ كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ السَّائِلَ إذَا عَارَضَ الْمُسْتَدِلَّ بِتَرْجِيحٍ أَقْوَى، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَرْجِيحٍ مُسَاوٍ فَقَدْ تَعَدَّى. وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ لَهُ الْمُعَارَضَةُ بِالْأَقْوَى مَعَ وُجُودِ الْمُسَاوِي، لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْأَقْوَى مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ أَقْوَى، بَلْ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مُعَارِضًا، وَمَزِيَّةُ الْقُوَّةِ مُصَادَفَةٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: الْأَوْلَى أَنْ يَذْكُرَ الْأَقْوَى، لِأَنَّهُ إذَا سَاغَ لَهُ التَّرْجِيحُ الْمُسَاوِي فَالْأَقْوَى أَوْلَى. وَفِيهِ لَطِيفَةٌ، وَهِيَ أَنَّهُ يُوقَفُ الْمُسْتَدِلُّ عَنْ نَوْبَةٍ أُخْرَى مِنْ التَّرْجِيحِ، لِأَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَ مِثْلُهَا، فَيَحْتَاجُ الْمُسْتَدِلُّ حِينَئِذٍ إلَى تَرْجِيحَيْنِ أَوْ تَرْجِيحٍ أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ الْأَقْوَى فَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ نِطَاقُ الْكَلَامِ وَهُوَ غَرَضُ الْمُنَاظَرَةِ وَفِي ذِكْرِ الْأَقْوَى اخْتِصَارٌ (انْتَهَى) . وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ قَابَلَ تَرْجِيحَ الْمُسْتَدِلِّ لَا يُقْبَلُ الِاسْتِغْنَاءَ بِهِ عَنْ أَحَدِهِمَا، فَإِنَّ فِي الْوَاحِدِ كِفَايَةً، وَالزِّيَادَةُ تُوجِبُ الْإِثْبَاتَ، لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَنْصِبِهِ.
الثَّانِيَةُ: هَلْ يُقْبَلُ مُعَارَضَةُ الْمُعَارَضَةِ بِدَلِيلٍ مُسْتَقِلٍّ؟ اخْتَلَفُوا عَلَى مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: نَعَمْ، لِأَنَّهُ دَلِيلٌ كَالْأَوَّلِ، فَجَازَ أَنْ يُعَارِضَ. وَعَلَى هَذَا يَتَسَاقَطَانِ وَيُسَلَّمُ الدَّلِيلُ الْأَوَّلُ مِنْ الْمُعَارِضِ، قَالَ الْمُقْتَرِحُ: وَكَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي تَعَارُضِ النَّصَّيْنِ يَقْتَضِي اخْتِيَارَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute