وَيَقُولُ: قَوْلُ الْمُنْكِرِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الْمُدَّعِي، كَقَوْلِ الْمُدَّعِي لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الْمُنْكِرِ، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ يَكُونُ حُجَّةً فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى خَصْمِهِ بِوَجْهٍ. انْتَهَى. وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ ذَلِكَ وَقَالَ: عَدَمُ الدَّلِيلِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي مَوْضِعٍ. وَاَلَّذِي ادَّعَاهُ عَلَى الشَّافِعِيِّ مِنْ مَذْهَبِهِ لَا نَدْرِي كَيْفَ وَقَعَ لَهُ. وَالْمَنْقُولُ عَنْ الْأَصْحَابِ مَا قَدَّمْنَاهُ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ فَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ فَسَادِهِ فِي الْخِلَافِيَّاتِ ". وَذَكَرَ أَيْضًا مَسْأَلَةَ الشُّفْعَةِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، وَهِيَ أَنَّ مِنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ شِقْصٌ وَبَاعَ شَرِيكُهُ نَصِيبَهُ وَأَرَادَ الشَّرِيكُ أَخْذَهُ بِالشُّفْعَةِ، أَوْ كَانَ جَارًا عَلَى أُصُولِهِمْ فَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الشِّقْصَ مِلْكًا، قَالَ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَلْتَفِتُ إلَى إنْكَارِهِ وَيَثْبُتُ لَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ بِظَاهِرِ مِلْكِهِ بِيَدِهِ. وَعِنْدَنَا: لَيْسَ لَهُ حَقُّ الشُّفْعَةِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الشِّقْصَ مِلْكُهُ.
قُلْت: وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ " (فِي بَابِ التَّيَمُّمِ) : ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ السُّكُوتَ وَعَدَمَ النَّقْلِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمَاسِحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ: هَلْ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ؟ إنْ صَحَّ حَدِيثُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قُلْت بِهِ فِي الْأَمْرِ بِالْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ، فَإِنْ صَحَّ قَطَعْت الْقَوْلَ بِهِ قَالَ: فَجَعَلَ سُكُوتَهُ عَنْ الْإِعَادَةِ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ وُجُوبِهَا. قُلْت: بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ أَمْ لَا، فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَقْدِيرِ أَنَّ خَبَرَ مَاعِزٍ حَيْثُ رُجِمَ وَلَمْ يُجْلَدْ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا. قَالَ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَعَلَّهُ جَلَدَهُ وَرَجَمَهُ. قِيلَ: كَانَتْ قِصَّتُهُ مِنْ مَشَاهِيرِ الْقِصَصِ، وَلَوْ جُلِدَ لَنُقِلَ. فَإِنْ قِيلَ: رُبَّ تَفْصِيلٍ فِي الْقَصَصِ لَا يَتَّفِقُ نَقْلُهُ وَدَوَاعِي النُّفُوسِ إنَّمَا تَتَوَفَّرُ عَلَى نَقْلِ كُلِّيَّاتِ الْقَصَصِ. فَإِنْ صَحَّ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ التَّصْرِيحُ بِالْجِلْدِ فَلَا يُعَارِضُهُ التَّعَلُّقُ بِعَدَمِ نَقْلٍ فِي حَدِيثٍ مَعَ اتِّجَاهِ وَجْهٍ بِتَرْكِ النَّقْلِ فِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ مُجِيبًا: الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَالْحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعُ، وَلَوْلَا أَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ رَوَى عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute