بِخِطَابٍ مُسْتَأْنَفٍ أَمْ بِالْخِطَابِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى غَيْرِهِ وَتُعُبِّدَ بِاسْتِدَامَتِهِ وَلَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ الْخِطَابُ إلَّا بِمَا يُخَالِفُ شَرْعَهُمْ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَالْغَزَالِيُّ: كَانَ ذَلِكَ بِخِطَابٍ مُسْتَأْنَفٌ وَطَرَدُوا قَوْلَهُمْ: لَمْ يَتَعَبَّدْ بِشَرِيعَةِ مَنْ قَبْلَهُ.
السَّادِسُ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّيْمَرِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ فِي كِتَابِهِ مَسَائِلُ الْخِلَافِ فِي الْأُصُولِ خِلَافًا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيًّا تَكُونُ شَرِيعَتُهُ مِثْلَ الَّذِي قَبْلَهُ، أَمْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ لَهُ شَرِيعَةٌ مُفْرَدَةٌ؟ قَالَ: أَمَّا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ لَا بُدَّ أَنْ يَخْتَصَّ بِشَرِيعَةٍ [غَيْرِ شَرِيعَةِ] مَنْ قَبْلَهُ. انْتَهَى. وَلَعَلَّ هَذَا الْخِلَافَ هُوَ أَصْلُ الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَتِنَا. ثُمَّ رَأَيْت التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ فِي كِتَابِ الذَّرِيعَةِ " لِلشَّرِيفِ الْمُرْتَضَى. قَالَ: وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَتَعَبَّدَ اللَّهُ نَبِيًّا بِمِثْلِ شَرِيعَةِ النَّبِيِّ الْأَوَّلِ بِشَرْطَيْنِ: أَنْ تَنْدَرِسَ الْأُولَى فَيُجَدِّدُهَا الثَّانِي، أَوْ بِأَنْ يَزِيدَ فِيهَا مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا. فَأَمَّا عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ هُوَ عَبَثٌ، قَالَ: وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ وَلَا عَبَثَ إذَا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِالثَّانِي مَنْ لَا يَنْتَفِعُ بِالْأَوَّلِ، لِتَكُونَ النِّعْمَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى سَبِيلِ تَرَادُفِ الْأَدِلَّةِ. فَائِدَةٌ قَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: بَدْءُ الشَّرَائِعِ كَانَ فِي التَّخْفِيفِ، وَلَا يُعْرَفُ فِي شَرْعِ نُوحٍ وَصَالِحٍ وَإِبْرَاهِيمَ ثَقِيلٌ، ثُمَّ جَاءَ مُوسَى بِالتَّشْدِيدِ وَالْأَثْقَالِ، وَجَاءَ عِيسَى بِنَحْوٍ مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَتْ شَرِيعَةٌ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَنْسَخُ تَشْدِيدَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَا تُطْلِقُ بِتَسْهِيلِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ، فَهِيَ عَلَى غَايَةِ الِاعْتِدَالِ. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute