اتِّبَاعًا لِآثَارِ الصَّحَابَةِ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي سَبَبِ ذَلِكَ، فَقِيلَ: لِأَنَّ الْوَاقِعَةَ اشْتَهَرَتْ وَسَكَتُوا وَذَلِكَ دَلِيلُ الْإِجْمَاعِ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يَرَى الِاحْتِجَاجَ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ إذَا خَالَفَ الْقِيَاسَ مِنْ حَيْثُ لَا مَحْمَلَ لَهُ سِوَى التَّوْقِيفِ.
قَالَ: وَيَظْهَرُ هَذَا فِي التَّابِعِيِّ إذَا عَلِمَ مَسَالِكَ الْأَحْكَامِ وَكَانَ مَشْهُورًا بِالْوَرَعِ لَا يَمِيلُ إلَى الْأَهْوَاءِ، إلَّا أَنْ يَلُوحَ لَنَا فِي مَجَارِي نَظَرِهِ فَسَادٌ فِي أَصْلٍ لَهُ عَلَيْهِ بَنَى مَا بَنَى. وَيَخْرُجُ مِنْ هَذَا قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ حُجَّةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا بِالْقِيَاسِ دُونَ مَا لِلْقِيَاسِ فِيهِ مَجَالٍ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمُخْتَارُ. وَبِهِ تُجْمَعُ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهَذَا حَكَاهُ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ " وَالْغَزَالِيُّ اسْتِنْبَاطًا مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ " أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - أَنَّهُ صَلَّى فِي لَيْلَةٍ سِتَّ رَكَعَاتٍ، كُلَّ رَكْعَةٍ بِسِتِّ سَجَدَاتٍ، ثُمَّ قَالَ: إنْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ قُلْت بِهِ، فَإِنَّهُ لَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ جَعَلَهُ تَوْقِيفًا. هَذَا لَفْظُهُ. قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا مِنْ قَوْلِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الصَّحَابِيَّ إذَا قَالَ قَوْلًا لَيْسَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَدْخَلٌ فَإِنَّهُ لَا يَقُولُهُ إلَّا سَمْعًا وَتَوْقِيفًا وَأَنَّهُ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ ذَلِكَ إلَّا عَنْ خَبَرٍ. انْتَهَى.
لَكِنَّ الْغَزَالِيَّ جَعَلَهُ مِنْ تَفَارِيعِ الْقَدِيمِ. وَهُوَ مَرْدُودٌ، لِأَنَّ اخْتِلَافُ الْحَدِيثِ مِنْ الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ قَطْعًا، رَوَاهُ عَنْهُ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ بِمِصْرَ، وَبِهَذَا جَزَمَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي كِتَابِ الْكَامِلِ فِي الْخِلَافِ " وَقَالَ إلْكِيَا فِي التَّلْوِيحِ " إنَّهُ الصَّحِيحُ، وَكَذَا صَاحِبُ الْمَحْصُولِ " فِي بَابِ الْأَخْبَارِ. وَعَلَى هَذَا يَنْزِلُ كُلُّ مَا وَقَعَ فِي الْجَدِيدِ مِنْ التَّصْرِيحِ فِيهِ بِالتَّقْلِيدِ، كَاتِّبَاعِهِ الصِّدِّيقَ فِي عَدَمِ قَتْلِ الرَّاهِبِ، وَتَقْلِيدِهِ عُثْمَانَ فِي الْبَرَاءَةِ، وَعُمَرَ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ. قَالَ فِي الْأُمِّ ": إذَا أَصَابَ الرَّجُلُ بِمَكَّةَ حَمَامًا مِنْ حَمَامِهَا فَعَلَيْهِ شَاةٌ، اتِّبَاعًا لِعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ ": أَخَذْت بِقَوْلِ عُمَرَ فِي الْيَرْبُوعِ وَالضَّبُعِ حَمَلٌ. وَحَكَى فِي الْقَدِيمِ هَذَا الْقَوْلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute