عَنْ الْكَرْخِيِّ، وَاخْتَارَهُ الْبَزْدَوِيُّ وَابْنُ السَّاعَاتِيِّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُعَبِّرُ عَنْهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ: إنَّهُ حُجَّةٌ إذَا خَالَفَ الْقِيَاسَ. نَعَمْ، تَصَرُّفَاتُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ تَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُ حُجَّةٌ بِشَرْطَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) : أَنْ لَا يَكُونَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَجَالٌ. (الثَّانِي) : أَنْ يَرِدَ فِي مُوَافَقَةِ قَوْلِهِ نَصٌّ، وَإِنْ كَانَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَجَالٌ كَمَا فَعَلَ فِي مَسَائِلِ الْفَرَائِضِ مُقَلِّدًا زَيْدًا فِيهَا، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ» قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ ": اخْتَارَ الشَّافِعِيُّ أَنْ يَتْبَعَ مَذْهَبَ زَيْدٍ وَلَمْ يَضَعْ لِذَلِكَ كِتَابًا فِي الْفَرَائِضِ لِعِلْمِهِ بِعِلْمِ النَّاسِ بِمَذْهَبِ زَيْدٍ، وَإِنَّمَا نَصَّ فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ فِي الْكِتَابِ فَجَمَعَهَا الْمُزَنِيّ وَضَمَّ إلَيْهَا مَذْهَبَ زَيْدٍ فِي الْمَسَائِلِ، وَلَمْ يَقُلْ: " تَحَرَّيْت مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ " كَقَوْلِهِ فِي أَوَاخِرِ كُتُبٍ مَضَتْ، فَإِنَّ التَّحَرِّيَ اجْتِهَادٌ، وَلَا اجْتِهَادَ فِي النَّقْلِ. وَقَدْ تَحَقَّقَ اتِّبَاعُ الشَّافِعِيِّ زَيْدًا، وَتَرَدَّدَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ حَيْثُ تَرَدَّدَ قَوْلُ زَيْدٍ، وَقَرَّبَ مَذْهَبَ زَيْدٍ إلَى الْقِيَاسِ أَنَّ جَعْلَ الْأُمَّ دُونَ الْأَبِ فِي النَّصِيبِ، قِيَاسَ مِيرَاثِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. وَكَذَا قَوْلُهُ: أَوْلَادُ الْأَبَوَيْنِ يُشَارِكُونَ وَلَدَ الْأُمِّ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الْقَرَابَةِ، وَجَعَلَ الْأَبَوَيْنِ مَانِعَيْنِ الْأُخُوَّةَ فِي رَدِّ الْأُمِّ إلَى السُّدُسِ قِيَاسًا عَلَى جَعْلِ الْبَنِينَ فِي مَعْنَى الْبَنَاتِ فِي اسْتِحْقَاقِ الثُّلُثَيْنِ. وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَى هَذَا أَنَّهُ خَالَفَ الْقِيَاسَ فِي مَسَائِلِ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ، وَالْمُعَادَةِ، وَإِعْطَاءِ الْأُمِّ ثُلُثَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute