عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ جَمِيعَ الْأَخْبَارِ صَادِرٌ عَنْ وَاحِدٍ وَهُوَ مَعْصُومٌ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَلَا يَجُوزُ فِيهَا الِاخْتِلَافُ وَالتَّضَادُّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا مَهْمَا أَمْكَنَ، حَتَّى لَا يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُخَالِفًا لِلْآخَرِ. وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ كَانَ الثَّانِي نَاسِخًا لِلْأَوَّلِ. وَأَمَّا أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ إذَا اخْتَلَفَتْ فَلَيْسَتْ كَذَلِكَ، لِاخْتِلَافِ مَقَاصِدِهِمْ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ صَادِرًا عَنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ ابْنُ فُورَكٍ: ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ إلَى قَوْلِ الْأَئِمَّةِ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرِهِمْ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَاحِدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ. وَمَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا بِتَقْلِيدِ الْعَالِمِ لِمَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ قَالَ بِهِ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ. وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي أَوَّلِ الْبَحْرِ ": إذَا اخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ إمَامٌ نُظِرَ: فَإِنْ كَانُوا فِي الْعَدَدِ سَوَاءٌ فَهُمَا سَوَاءٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْعَدَدُ فَهَلْ يُرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ؟ فَعَلَى قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ: لَا يُرَجَّحُ، وَيَقُولُ مَا يُوجِبُهُ الدَّلِيلُ، وَعَلَى الْقَدِيمِ: يُرَجَّحُ كَمَا فِي الْأَخْبَارِ.
وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ إمَامٌ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْعَدَدِ سَوَاءٌ فَاَلَّتِي فِيهَا الْإِمَامُ هَلْ هِيَ أَوْلَى؟ قَوْلَانِ: قَالَ فِي الْقَدِيمِ: نَعَمْ، وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ: لَا، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْعَدَدُ وَالْإِمَامُ مَعَ الْأَقَلِّ فَهُمَا سَوَاءٌ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ وَلَوْ اتَّفَقَا فِي الْعَدَدِ، وَفِي أَحَدِهِمَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَعَلَى الْقَدِيمِ فِيهِ وَجْهَانِ: (أَحَدُهُمَا) : يُرَجَّحُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ عَلَى غَيْرِهِمَا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيَنْبَغِي جَرَيَانُ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ تَعَارَضَ الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ حَتَّى يَسْتَوِيَا عَلَى وَجْهٍ، وَيُرَجَّحُ طَرَفُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى غَيْرِهِ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إذَا اخْتَلَفُوا أَخَذْنَا بِقَوْلِ الْأَكْثَرِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا أَخَذْنَا بِقَوْلِ مَنْ مَعَهُ أَحَدُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَجَعْنَا إلَى التَّرْجِيحِ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ: إذَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَكَانَ يَقُولُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ اخْتِلَافِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ: إنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْجَدِيدِ: أَنَّهُ يَصِيرُ إلَى قَوْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute