وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي الْخِلَافِ: مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ رَأَى أَنَّ وُرُودَ الْحُكْمِ الْمُعَيَّنِ عَلَى الْوَفْقِ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ الْبَيِّنَةِ، ثُمَّ الْمُلَائِمَةُ نَازِلَةٌ مَنْزِلَةَ تَزْكِيَةِ الْبَيِّنَةِ بِالشُّهُودِ الْمُقَرَّرَةِ عِنْدَ التُّهْمَةِ، فَهَذَا يَرُدُّ الِاسْتِدْلَالَ الْمُرْسَلَ، لِأَنَّ صَاحِبَهُ مَا أَقَامَ عَلَى صِحَّتِهِ بَيِّنَةً غَيْرَ دَعْوَاهُ، فَلَا يَتَوَقَّعُ لِلتَّزْكِيَةِ، وَلَا بَيِّنَةَ. وَمِنْهُمْ مَنْ نَزَّلَ الْمُلَائِمَةَ مَنْزِلَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى صِدْقِ الدَّعْوَى فِي صِدْقِ الْوَصْفِ، وَجَعَلَ وُرُودَ الْحُكْمِ الْمُعَيَّنِ عَلَى الْوَفْقِ كَالِاسْتِظْهَارِ، فَلَمْ يَضُرَّهُ فَوَاتُهُ فِي أَصْلِ الِاعْتِبَارِ. وَالرَّابِعُ: اخْتِيَارُ الْغَزَالِيِّ وَالْبَيْضَاوِيِّ وَغَيْرُهُمَا تَخْصِيصَ الِاعْتِبَارِ بِمَا إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْمَصْلَحَةُ ضَرُورِيَّةً قَطْعِيَّةً كُلِّيَّةً، فَإِنْ فَاتَ أَحَدُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَعْتَبِرْ. وَالْمُرَادُ ب " الضَّرُورِيَّةِ " مَا يَكُونُ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ الْخَمْسِ الَّتِي يَجْزِمُ بِحُصُولِ الْمَنْفَعَةِ مِنْهَا وَ " الْكُلِّيَّةِ " لِفَائِدَةٍ تَعُمُّ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ احْتِرَازًا عَنْ الْمَصْلَحَةِ الْجُزْئِيَّةِ لِبَعْضِ النَّاسِ، أَوْ فِي حَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ، كَمَنْ أَجَازَ لِلْمُسَافِرِ إذَا أَعْجَلَهُ السَّفَرُ أَنْ يَدْفَعَ التِّبْرَ لِدَارِ الضَّرْبِ وَيَنْظُرُ مِقْدَارَ مَا يَخْلُصُ مِنْهُ فَيَأْخُذُ بِقَدْرِهِ بَعْدَ طَرْحِ الْمَئُونَةِ، فَهَذِهِ مَصْلَحَةٌ لِضَرُورَةِ الِانْقِطَاعِ مِنْ الرُّفْقَةِ لَكِنَّهَا جُزْئِيَّةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ وَحَالَةٍ مُعَيَّنَةٍ.
وَمَثَّلَ الْغَزَالِيُّ لِاسْتِجْمَاعِهِ الشَّرَائِطَ بِمَسْأَلَةِ التَّتَرُّسِ، وَهِيَ مَا إذَا تَتَرَّسَ الْكُفَّارُ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ رَمَيْنَا التُّرْسَ لَقَتَلْنَا مُسْلِمًا مِنْ دُونِ جَرِيمَةٍ صَدَرَتْ مِنْهُ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَقُولَ الْمُجْتَهِدُ: هَذَا الْأَسِيرُ مَقْتُولٌ بِكُلِّ حَالٍّ، لِأَنَّا لَوْ كَفَفْنَا عَنْ التُّرْسِ لَسَلَّطْنَا الْكُفَّارَ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فَيَقْتُلُونَهُمْ ثُمَّ يَقْتُلُونَ الْأَسَارَى أَيْضًا، فَحِفْظُ الْمُسْلِمِينَ أَقْرَبُ إلَى مَقْصُودِ الشَّرْعِ، لِأَنَّا نَقْطَعُ أَنَّ الشَّارِعَ يَقْصِدُ تَقْلِيلَ الْقَتْلِ كَمَا يَقْصِدُ حَسْمَهُ عِنْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute