الْمُصَوِّبَةُ: لَا يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُ الْمُسْتَفْتِي، بَلْ يَجْزِمُ بِمُقْتَضَى أَحَدِهِمَا، وَقِيلَ: يَجُوزُ وَهُوَ الْأَوْلَى عِنْدَنَا، وَبِهِ أَجَابَ فِي الْمَحْصُولِ " وَاسْتَشْكَلَ الْهِنْدِيُّ الْجَزْمَ بِأَحَدِهِمَا، وَقَالَ: لَيْسَ فِي التَّخْيِيرِ الْأَخْذُ بِأَيِّ الْحُكْمَيْنِ شَاءَ، وَاخْتَارَ رَأْيًا ثَالِثًا، وَهُوَ أَنَّ الْمُفْتِيَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَجْزِمَ لَهُ الْفُتْيَا، وَبَيْنَ أَنْ يُخَيِّرَهُ، إذْ لَيْسَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُخَالَفَةُ دَلِيلٍ وَلَا فَسَادٌ، فَيَسُوغُ الْأَمْرَانِ وَإِنْ كَانَ حَاكِمًا، فَقَالَ الْقَاضِي: أَجْمَعَ الْكُلُّ - يَعْنِي: الْمُصَوِّبَةَ، وَالْمُخَطِّئَةَ - أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَخْيِيرُ الْمُتَحَاكِمَيْنِ فِي الْحُكْمِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ، بَلْ عَلَيْهِ بَتُّ الْحُكْمِ بِاعْتِقَادِهِ، لِأَنَّهُ نُصِبَ لِقَطْعِ الْخُصُومَاتِ، وَلَوْ خَيَّرَهُمَا لَمَا انْقَطَعَتْ خُصُومَتُهُمَا، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَخْتَارُ الَّذِي هُوَ أَرْفَقُ لَهُ، بِخِلَافِ حَالِ الْمُفْتِي فَلَوْ اخْتَارَ الْقَاضِي إحْدَى الْأَمَارَتَيْنِ وَحَكَمَ بِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالْأُخْرَى فِي وَقْتٍ آخَرَ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اتِّهَامِهِ بِالْحُكْمِ بِالْبَاطِلِ، حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْكُلَّ مُصِيبٌ، وَحُكِيَ عَنْ الْعَنْبَرِيِّ جَوَازَهُ، وَلَيْسَ مَا قَالَهُ بِبَعِيدٍ لِأَنَّ هَذِهِ التُّهْمَةَ قَائِمَةٌ فِي الْحُكْمِ إذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ، وَحَكَمَ بِالْقَوْلِ وَضِدِّهِ.
وَقَدْ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُشَرَّكَةِ: ذَلِكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا، وَهَذَا عَلَى مَا نَقْضِي نَعَمْ، احْتَجَّ فِي الْمَحْصُولِ " وَالْمِنْهَاجِ " لِلْمَنْعِ «بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا تَحْكُمْ فِي قَضِيَّةٍ بِحُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ» وَقَدْ أُنْكِرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute