للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا يُقَالُ مِثْلُهُ فِي إضَافَةِ الرِّوَايَتَيْنِ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَغَيْرِهِمَا قُلْت: وَقَدْ صَحَّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا أُحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَرْوِيَ عَنِّي الْكِتَابَ الْقَدِيمَ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِالرُّجُوعِ عَمَّا فِيهِ، فَلَا يَبْقَى لِلتَّفْصِيلِ السَّابِقِ وَجْهٌ نَعَمْ، هَذَا يُشْكِلُ عَلَى أَصْحَابِنَا فِي مَسَائِلَ عَمِلُوا بِهَا عَلَى الْقَدِيمِ حَيْثُ لَمْ يَجِدُوا فِي الْجَدِيدِ مَا يُخَالِفُهَا - وَإِمَّا أَنْ يُجْهَلَ الْحَالُ وَلَا يُعْلَمُ التَّارِيخُ، فَإِنْ بَيَّنَ اخْتِيَارَهُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فَهُوَ مَذْهَبُهُ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْهُ فَالْوَقْفُ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَالْوَقْفُ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ: (أَحَدِهِمَا) : أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ الْحُكْمَ الْوَقْفُ عَنْ الْحُكْمِ بِأَنَّ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ مَذْهَبُهُ وَ (الثَّانِي) : أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ الْحُكْمَ بِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ وَاقِفٌ غَيْرُ حَاكِمٍ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَهَذَا الثَّانِي إنَّمَا يَقْوَى إذَا قَالَهُمَا الْمُجْتَهِدُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ وَحِينَئِذٍ فَيُحْكَى عَنْهُ قَوْلَانِ مِنْ غَيْرِ الْحُكْمِ عَلَى أَحَدِهِمَا بِالتَّرْجِيحِ وَقَدْ وَقَعَ الْحَالَانِ لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى عُلُوِّ شَأْنِهِ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ: أَمَّا الْعِلْمُ فَلِأَنَّهُ كُلَّمَا زَادَ الْمُجْتَهِدُ عِلْمًا وَتَدْقِيقًا كَانَ نَظَرُهُ أَتَمَّ، وَاطِّلَاعُهُ عَلَى الْأَدِلَّةِ أَعَمَّ.

وَأَمَّا الدِّينُ، فَلَمْ يَكُنْ مِمَّنْ إذَا ظَهَرَ لَهُ وَجْهُ الرُّجْحَانِ أَقَامَ عَلَى مَقَالَتِهِ الْأُولَى، بَلْ صَرَّحَ عَلَى بُطْلَانِهَا وَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنْ تَشْنِيعَ الْخَصْمِ بَاطِلٌ وَقَدْ صَنَّفَ أَصْحَابُنَا فِي نُصْرَةِ الْقَوْلَيْنِ، مِنْهُمْ ابْنُ الْقَاصِّ وَالْغَزَالِيُّ وَإِلْكِيَا وَالرُّويَانِيُّ، وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فِي كُتُبِهِمْ الْأُصُولِيَّةِ وَالْفُرُوعِيَّةِ وَقَدْ سَبَقَ بِذَلِكَ السَّلَفُ، فَإِنَّ عُمَرَ نَصَّ فِي الشُّورَى عَلَى سِتَّةٍ وَحَصَرَ الْخِلَافَةَ فِيهِمْ، تَنْبِيهًا عَلَى حَصْرِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَلَمْ يَعْتَرِضْ أَحَدٌ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>