للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِثْلُهُ اخْتِلَافُ قَوْلَيْهِ فِي إتْمَامِ وُضُوءِ الْجَنَابَةِ لِأَجْلِ اخْتِلَافِ رِوَايَتَيْ عَائِشَةَ وَمَيْمُونَةَ وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا كَمَا فَعَلَ مَالِكٌ بَلْ رَجَّحَ حَدِيثَ عَائِشَةَ لِمُوَافَقَتِهِ تَشْرِيعَ الْعِبَادَةِ وَكَذَلِكَ فَعَلَ فِي الْقِرَاءَتَيْنِ فَإِنَّهُ اخْتَلَفَ قَوْلَاهُ فِي انْتِقَاضِ وُضُوءِ الْمَلْمُوسِ لِأَجْلِ تَعَارُضِ قِرَاءَةِ (لَمَسْتُمْ) وَ (لَامَسْتُمْ) وَرَجَّحَ النَّقْضَ بِأَمْرٍ خَارِجِيٍّ.

تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ: لَمَّا كَثُرَ عَلَى عَادَاتِ الْمُتَأَخِّرِينَ طَرِيقَةُ الْجَمْعِ وَتَقْدِيمُهَا عَلَى طَرِيقَةِ التَّرْجِيحِ أَخَذَهَا الشَّيْخُ فِي شَرْحِ الْإِلْمَامِ " مُسَلَّمَةً وَزَادَ فِيهَا قَيْدًا فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي فِيمَا إذَا كَانَ التَّأْوِيلُ فِي طَرِيقَةِ الْجَمْعِ مَقْبُولًا عِنْدَ النَّفْسِ مُطْمَئِنَّةً بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَالْأَشْبَهُ تَقْدِيمُ رُتْبَةِ التَّرْجِيحِ عَلَى رُتْبَةِ الْجَمْعِ، فَيُنْظَرُ إلَى التَّرْجِيحِ بَيْنَ الرُّوَاةِ بِحَسَبِ حَالِهِمْ فِي الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي التَّرْجِيحِ هُوَ سُكُونُ النَّفْسِ، وَسُكُونُهَا إلَى احْتِمَالِ الْغَلَطِ فِي بَعْضِهِمْ أَقْوَى مِنْ سُكُونِهَا إلَى التَّأْوِيلَاتِ الْمُسْتَبْعَدَةِ الْمُسْتَنْكَرَةِ عِنْدَهَا، لَا سِيَّمَا مَعَ مَنْ كَانَتْ رِوَايَتُهُ خَطَأً قَالَ: فَهَذَا هُوَ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيِي وَنَظَرِي، وَلَا أَقُولُ هَذَا فِي كُلِّ تَأْوِيلٍ ضَعِيفٍ مَرْجُوحٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الظَّاهِرِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ حَيْثُ يَشْتَدُّ اسْتِكْرَاهُهُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي " اخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ " فِي تَقْدِيرِ مَدَى حَوْضِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَلَقَدْ سَمِعْت الشَّيْخَ أَبَا مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ يَقُولُ قَوْلًا أَوْجَبَتْهُ شَجَاعَةُ نَفْسِهِ، لَا أَرَى ذِكْرَهُ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا قُلْت: وَذَلِكَ أَنَّ الشَّيْخَ سُئِلَ عَنْ حَدِيثِ أَنَسٍ الْمُخَرَّجِ فِي الصَّحِيحَيْنِ: «مَا بَيْنَ نَاحِيَتَيْهِ كَمَا بَيْنَ جَرْبَاءَ وَأَذْرُحَ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَسَأَلْت عَنْهُمَا فَقَالَ: هُمَا قَرْيَتَانِ بِالشَّامِ بَيْنَهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>