للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحْدَاهُمَا) : إجْرَاءُ خِلَافٍ مَبْنِيٍّ عَلَى النَّسْخِ بِالْآحَادِ، فَإِنْ جَوَّزْنَاهُ نَسَخْنَا بِمَا دَلَّتْ الْآحَادُ عَلَى أَنَّهُ مُتَقَدِّمٌ، وَعَمِلْنَا بِالْمُتَأَخِّرِ. وَإِنْ مَنَعْنَاهُ حَكَمْنَا بِتَعَارُضِ الظَّنَّيْنِ وَرَجَعْنَا إلَى الْأَصْلِ أَوْ التَّخْيِيرِ. و (الثَّانِيَةُ) : الْقَطْعُ بِقَبُولِ الْآحَادِ فِي تَارِيخِ الْمُتَوَاتِرِ، وَهِيَ الصَّحِيحَةُ، لِأَنَّ انْسِحَابَ الْعَمَلِ بِالْمُتَوَاتِرِ فِي سَائِرِ الْأَزْمِنَةِ مَظْنُونٌ، فَمَا رَفَضْنَا إلَّا مَظْنُونًا بِمَظْنُونٍ، وَأَمَّا عَكْسُ هَذِهِ الصُّورَةِ، أَنْ يُفْرَضَ التَّارِيخُ مُتَوَاتِرًا، أَوْ الْمَتْنُ آحَادًا، فَهَذَا غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ. هَذَا كُلُّهُ إذَا عُلِمَ الْمُتَقَدِّمُ، فَإِنْ عُلِمَ مُقَارَنَتُهُمَا، فَإِنْ أَمْكَنَ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُمَا تَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِهِ، فَإِنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ لَمْ يَبْقَ إلَّا التَّخْيِيرُ، وَإِنْ جُهِلَ التَّارِيخُ تَسَاقَطَا وَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى غَيْرِهِمَا، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُوَ الْمُتَأَخِّرُ فَيَكُونُ نَاسِخًا، إذْ التَّقَدُّمُ يَكُونُ مَنْسُوخًا. هَكَذَا أَطْلَقُوهُ.

وَهَذَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ تَطَرُّقُ النَّسْخِ إلَى أَحَدِهِمَا، فَإِنْ أَمْكَنَ فَالشَّافِعِيُّ يُرَجِّحُ مَا لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ ذَلِكَ، وَرَآهُ أَوْلَى مِنْ الْحُكْمِ بِتَسَاقُطِهِمَا، حَكَاهُ عَنْهُ الْإِمَامُ فِي الْبُرْهَانِ " وَذَكَرَ لَهُ مِثَالَيْنِ تَخْرُجُ مِنْهُمَا صُورَتَانِ: (إحْدَاهُمَا) : إذَا أَرَّخَ أَحَدُهُمَا وَسَكَتَ الْآخَرُ عَنْ التَّارِيخِ، كَحَدِيثِ «إذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ» مَعَ جُلُوسِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَضِ وَفَاتِهِ وَالْمُقْتَدُونَ بِهِ قِيَامٌ. وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ مُطْلَقٌ، فَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ كَانَ قَالَهُ فِي صِحَّتِهِ. وَ (الثَّانِيَةُ) : أَنْ يَكُونَ إسْلَامُ رَاوِي أَحَدِهِمَا مُتَأَخِّرًا عَنْ إسْلَامِ الْآخَرِ، كَحَدِيثِ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ فِي عَدَمِ نَقْضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّ الذَّكَرِ، وَهُوَ مُتَقَدِّمُ الْإِسْلَامِ، مَعَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالنَّقْضِ، وَهُوَ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ، فَيَتَطَرَّقُ النَّسْخُ إلَى حَدِيثِ قَيْسٍ. ثُمَّ حَكَى الْإِمَامُ عَنْ قَوْمٍ بَقَاءَ التَّعَارُضِ، إذْ لَا يُصَارُ إلَى الْفَسْخِ بِمُجَرَّدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>