للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاحْتِمَالِ، ثُمَّ تَوَسَّطَ فَقَالَ: إنْ عَدِمَ الْمُجْتَهِدُ مُتَعَلَّقًا سِوَاهُ فَكَقَوْلَيْ. الشَّافِعِيِّ، لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ تَعْطِيلِ الْحُكْمِ وَتَعْرِيَةِ الْحَادِثِ عَنْ مُوجِبِ الشَّرْعِ، وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهَا وَوَجَدَ الْقِيَاسَ مُضْطَرِبًا عَدَلَ عَنْهُمَا وَتَمَسَّكَ بِالْقِيَاسِ، ثُمَّ الْخَبَرُ الَّذِي بَعْدَ ظَنِّ النَّسْخِ يُسْتَعْمَلُ مُرَجِّحًا لِأَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ عَلَى الْآخَرِ. وَهَذَا التَّفْصِيلُ يَفْرِضُ الْمَسْأَلَةَ فِي قِيَاسَيْنِ تَعَارَضَا أَوْ خَبَرَيْنِ كَذَلِكَ.

وَهُوَ مُخَالِفٌ لِتَصْوِيرِهِ السَّابِقِ فِي تَعَارُضِ خَبَرَيْنِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ وُجِدَ الْقِيَاسُ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا أَوْ لَمْ يُوجَدْ أَلْبَتَّةَ. وَأَوْرَدَ الْإِبْيَارِيُّ عَلَى تَفْصِيلِهِ أَنَّهُ هَلَّا عَمِلَ بِالْخَبَرِ الرَّاجِحِ وَجَعَلَ الْقِيَاسَ الْمُوَافِقَ لَهُ مُرَجِّحًا؟ وَأَجَابَ ابْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِدْ فِي التَّوْقِيفِ مُسْتَنَدًا اسْتَأْنَفَ الظَّنَّ فِي الْأَقْيِسَةِ فَوَجَدَهَا أَيْضًا مُتَعَارِضَةً، وَلَكِنْ وَجَدَ أَحَدَ قِيَاسَيْهِ عَلَى وَفْقِ الْخَبَرِ الرَّاجِحِ، فَجَعَلَ الْقِيَاسَ مُسْتَنَدًا، لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ الْخَبَرَ الرَّاجِحَ مُسْتَنَدًا بَعْدَ أَنْ سَبَقَ مِنْهُ إلْغَاءُ كَوْنِهِ مُسْتَنَدًا لَكَانَ نَقْضًا لِحُكْمٍ ثَبَتَ. وَحَاصِلُ الْخِلَافِ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ تَوْقِيفِيَّةٌ أَوْ قِيَاسِيَّةٌ، وَيَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي نَقْضِ حُكْمِ الْحَاكِمِ. وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ يُقَدَّمُ الْمُؤَرَّخُ عَلَى الْمُهْمَلِ، لِأَنَّ الْمُؤَرَّخَ يَقْطَعُ بِهِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، بِخِلَافِ الْمُهْمَلِ فَإِنَّهُ مَا مِنْ وَقْتٍ إلَّا وَيُحْتَمَلُ فِيهِ الثُّبُوتُ وَالْعَدَمُ، فَيُقَدَّمُ الْمَقْطُوعُ بِهِ فِي تَارِيخٍ مُعَيَّنٍ، لِأَنَّ الْمُبَيَّنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُجْمَلِ، فَالتَّرْجِيحُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُقَابَلَةِ بَيْنَ الْبَيَانِ وَالْإِجْمَالِ، وَالتَّرْجِيحُ فِي الثَّانِيَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُقَابَلَةِ بَيْنَ الْإِجْمَالِ الْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ. وَهَذَا يَرُدُّ إيرَادَ الْإِبْيَارِيّ عَلَى الْمَنْقُولِ عَنْ الشَّافِعِيِّ احْتِمَالَ أَنَّ مُتَأَخِّرَ الْإِسْلَامِ تَحَمَّلَ فِي حَالِ الْكِبَرِ. وَجَوَابُهُ: أَنَّ التَّحَمُّلَ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ أَغْلَبُ، وَقَبْلَ الْإِسْلَامِ أَنْدَرُ، فَيُقَدَّمُ الْغَالِبُ عَلَى النَّادِرِ، وَلَيْسَ كُلُّ احْتِمَالٍ وَاقِعًا، فَتَأَمَّلْ هَذَا الْفَصْلَ، فَإِنَّ مَعْرِفَتَهُ مِنْ غَايَاتِ الْآمَالِ. (الضَّرْبُ الثَّانِي) : أَنْ يَكُونَا مَظْنُونَيْنِ، فَإِنْ عُلِمَ تَقَدُّمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ نَسَخَ الْمُتَأَخِّرُ الْمُتَقَدِّمَ، وَإِلَّا وَجَبَ التَّرْجِيحُ، فَيُعْمَلُ بِالْأَقْوَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>