قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى تَخَرُّجِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ، فَيُرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الْآيِ كَمَا يُرَجَّحُ الْخَبَرُ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُمَا سَوَاءٌ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْأَخْبَارِ أَنَّ الْخَطَأَ مِنْ الرُّوَاةِ مُمْكِنٌ، وَهُوَ شَيْءٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاجْتِهَادِ، بِخِلَافِ الْآيِ.
وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ قَالَ: إنَّ ذَلِكَ يُسَاوِي الْأَخْبَارَ فِي قُوَّةِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهَا. وَالْعُمُومَانِ أَقْوَى فِي النَّفْسِ مِنْ عُمُومٍ وَاحِدٍ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي شَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَشَاهِدَيْنِ، أَنَّهُ يُؤْخَذُ بِالْأَقْوَى، وَتِلْكَ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَهَذِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ. .
ثَانِيهَا - بِقِلَّةِ الْوَسَائِطِ وَعُلُوِّ الْإِسْنَادِ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْغَلَطِ وَالْخَطَأِ فِيمَا قَلَّتْ وَسَائِطُهُ أَقَلُّ، وَهُوَ أَحَدُ فَوَائِدِ طَلَبِ الْإِسْنَادِ الْعَالِي، كَقَوْلِ الْحَنَفِيِّ: الْإِقَامَةُ مَثْنَى، كَالْأَذَانِ، لِمَا رَوَى عَامِرٌ الْأَحْوَلُ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ أَبَا مُحَيْرِيزٍ حَدَّثَهُ أَنَّ «أَبَا مَحْذُورَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَهُ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ، وَذَكَرَ فِيهِ الْإِقَامَةَ مَثْنَى مَثْنَى» . فَنَقُولُ: بَلْ هِيَ فُرَادَى، لِمَا رَوَى خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُشَفِّعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ» ، فَإِنَّ خَالِدًا وَعَامِرًا مِنْ طَبَقَةٍ وَاحِدَةٍ رَوَى عَنْهُمَا شُعْبَةُ، وَحَدِيثُ عَامِرٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةٌ، وَخَالِدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثْنَانِ. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّرْجِيحَ بِهَذَا ظَاهِرٌ، إذَا كَانَ لَا يَعِزُّ وُجُودُ مِثْلِهِ، فَإِنْ كَانَ فَهُوَ مَرْجُوحٌ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ، لِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْأَغْلَبِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَنْدَرِ.
.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute