وَمِنْ ثَمَّ رَجَّحَهُ الشَّافِعِيُّ. وَأَمَّا إذَا عُلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يُرْسِلُ إلَّا إذَا حَصَلَ لَهُ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِصِدْقِ الْخَبَرِ فَمُرْسَلُهُ رَاجِحٌ عَلَى مُسْنَدِهِ. .
الرَّابِعُ: بِوَقْتِ وُرُودِ الْخَبَرِ؟ وَيُرَجَّحُ بِوُجُوهٍ، وَهِيَ غَيْرُ قَوِيَّةٍ فِي الرُّجْحَانِ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ: (أَوَّلُهَا) الْخَبَرُ الْمَدَنِيُّ، أَيْ الَّذِي رُوَاتُهُ مِنْ الْمَدِينَةِ، مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ مَهْبِطِ الْوَحْيِ، وَمَوْضِعَهُمْ مَوْضِعُ النَّاسِخِ، وَلَهُمْ الْعِنَايَةُ بِمَا وَقَعَ عِنْدَهُمْ، لِأَنَّ الْمَدَنِيَّاتِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الْهِجْرَةِ. قَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: وَلِذَلِكَ قَدَّمْنَا رِوَايَتَهُمْ عَلَى رِوَايَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي تَرْجِيعِ الْأَذَانِ وَإِفْرَادِ الْإِقَامَةِ. قَالَ الْأُسْتَاذُ: وَكَذَلِكَ تَعَارُضُ الْآيَتَيْنِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَدَنِيَّةَ نَاسِخَةٌ لِلْمَكِّيَّةِ، مَعَ إمْكَانِ نُزُولِ الْمَكِّيَّةِ بَعْدَ النَّسْخِ وَنُزُولِ الْمَدَنِيَّةِ قَبْلَهُ، إلَّا أَنَّ نَسْخَ الْمَكِّيَّاتِ بِالْمَدَنِيَّاتِ أَكْثَرُ مِنْ الْعَكْسِ. .
(ثَانِيهَا) تَرْجِيحُ الْخَبَرِ الدَّالِ عَلَى عُلُوِّ شَأْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ. (ثَالِثُهَا) الْمُتَضَمِّنُ لِلتَّغْلِيظِ عَلَى الْمُتَضَمِّنِ لِلتَّخْفِيفِ؟ ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِ يَرْأَفُ بِالنَّاسِ وَيَأْخُذُهُمْ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَلَا يَتَعَبَّدُ بِالتَّغْلِيظِ، فَاحْتِمَالُ تَأْخِيرِ التَّشْدِيدِ أَظْهَرُ. هَكَذَا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ، حَيْثُ قَالَ: أَوْ شَدِيدُهُ، لِتَأَخُّرِ التَّشْدِيدَاتِ، لَكِنَّهُ ذَكَرَ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْأَخَفُّ عَلَى الْأَثْقَلِ. وَكَذَا قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: يُقَدَّمُ الْمُتَضَمِّنُ لِلتَّخْفِيفِ. .
(رَابِعُهَا) يُرَجَّحُ الْخَبَرُ الْمَرْوِيُّ مُطْلَقًا عَلَى الْمَرْوِيِّ بِتَارِيخٍ مُتَقَدِّمٍ، لِأَنَّ الْمُطْلَقَ أَشْبَهَ بِالتَّأَخُّرِ. كَذَا قَالُوا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِتَرْجِيحِ الْأَصْحَابِ فِي الْبَيِّنَاتِ إذَا أُطْلِقَتْ وَاحِدَةٌ وَأُرِّخَتْ الْأُخْرَى أَنَّهُمَا سَوَاءٌ عَلَى الْمَذْهَبِ. .
.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute