للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّمَاءُ الْعُشْرُ مِنْ التَّمْرِ» مَعَ قَوْلِهِ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ صَدَقَةٌ» وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَأَوَّلَ فَيُقَالُ: مَعْنَاهُ لَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ يَأْخُذُهَا الْعَامِلُ. بِدَلِيلِ الْخَبَرِ الْآخَرِ، لِأَنَّ أَحَدَهُمَا قُصِدَ فِيهِ بَيَانُ الْمُزَكَّى، وَالْآخَرَ بَيَانُ الزَّكَاةِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: الْكَلَامُ يُجْمَلُ فِي غَيْرِ مَقْصُودِهِ وَيُفَصَّلُ فِي مَقْصُودِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ «فِي سَائِمِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ» مَعَ قَوْلِهِ: «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» وَكَذَلِكَ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ» مَعَ قَوْلِهِ: «فِي الرِّقَّةِ رُبُعُ الْعُشْرِ» فَيُحْمَلُ الْأَمْرُ عَلَى بَيَانِ الْمُزَكَّى وَالزَّكَاةِ، لَا عَلَى مَا لَمْ يُنْقَلْ لَهُ الْخَبَرُ وَلَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ الْمَسْمُوعُ، ذَكَرَهُ إلْكِيَا. ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ: قَدْ يَرِدُ عَلَى صُورَةِ الْبَيَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيَانًا حَقًّا، كَقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ مَاعِزٍ: «أَشَهِدْت عَلَى نَفْسِك أَرْبَعًا» ، وَفِي لَفْظٍ: أَنْتَ تَشْهَدُ؟ وَأَنَّهُ رَدَّدَهُ، فَقَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ: إنَّهُ لَمَّا رَدَّدَهُ مِرَارًا ثُمَّ قَالَ: «أَشَهِدْت عَلَى نَفْسِك أَرْبَعًا» ، دَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: «فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» أَيْ اعْتَرَفَتْ أَرْبَعًا. فَقُلْنَا: لَمْ يَكُنْ التَّرَدُّدُ وَالرَّدُّ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالِاعْتِرَافِ الْأَوَّلِ، وَلَكِنْ لَمْ يُفْصِحْ أَوَّلًا بِمَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ وَرَأَى فِيهِ دَلَائِلَ الْخَبَلِ وَالْجُنُونِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: «لَعَلَّك لَمَسْت» ، وَسَأَلَ عَنْ النُّونِ وَالْكَافِ فَقُلْنَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ: رِوَايَةُ مَاعِزٍ مُقَدَّمَةٌ، وَقَلَبُوا الْأَمْرَ فَلَمْ يَجْعَلُوا الْبَيَانَ فِي الْقِسْمِ الْمُتَقَدِّمِ مُعْتَبَرًا، قَدَّمُوا الْعُمُومَ عَلَيْهِ، وَقَدَّمُوا الْبَيَانَ عَلَى الْعُمُومِ هَاهُنَا. وَمِنْ هَذَا اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ، فَكَانَ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ أَوْلَى، لِأَنَّ فِيمَا رَوَاهُ: «وَاسْجُدْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ، فَإِنْ كَانَ أَرْبَعًا فَالسَّجْدَتَانِ تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ وَإِنْ كَانَ خَمْسًا شَفَعْتَهَا بِالسَّجْدَتَيْنِ» فَذِكْرُ التَّرْغِيمِ، وَالشَّفْعِ لَا يَكُونُ مَعَ الْفَصْلِ وَالتَّخَلُّلِ، فَكَانَ مَا نَقَلْنَاهُ إيمَاءً إلَى بَيَانِ السَّبَبِ عَلَى مَا رَدَّدَهُ. وَلَهُ وَجْهٌ آخَرُ مِنْ التَّرْجِيحِ، وَهُوَ وُرُودُ الْأَمْرِ وَالْفِعْلِ، وَنَقَلُوا الْأَمْرَ فَقَطْ، وَالْأَمْرُ أَبْيَنُ مِنْ الْفِعْلِ الَّذِي يُمْكِنُ تَقْدِيرُ اخْتِصَاصِهِ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. .

(سَابِعَ عَشَرَهَا) مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ عَلَى الْمُخَالَفَةِ: عَلَى الصَّحِيحِ، لِأَنَّهُ أَقْوَى. وَقِيلَ تُقَدَّمُ الْمُخَالَفَةُ لِأَنَّهَا تُفِيدُ تَأْسِيسًا، وَالْمُوَافَقَةُ لِلتَّأْكِيدِ، وَالتَّأْسِيسُ أَوْلَى. وَقِيلَ: يَتَعَارَضُ مَفْهُومُ الْغَايَةِ وَالشَّرْطِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُمَثَّلَ لَهُ بِقَوْلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>