مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ، وَالْآخَرُ مُخَرَّجًا مِنْ غَيْرِ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ قُدِّمَ الْأَوَّلُ عَلَى الثَّانِي، كَقَوْلِنَا فِي جِلْدِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ: يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ، كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ، وَهِيَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمُخَالِفِ: لَا يَطْهُرُ قِيَاسًا عَلَى جِلْدِ الْكَلْبِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ (وَمِنْهَا) قَالَ فِي الْمَنْخُولِ ": إذَا عَارَضَ قِيَاسٌ عَامٌّ تَشْهَدُ لَهُ الْقَوَاعِدُ قِيَاسًا هُوَ أَخَصُّ مِنْهُ بِالْمَسْأَلَةِ، فَالْأَخَصُّ مُقَدَّمٌ فِيمَا قَالَهُ الْقَاضِي مِثَالُهُ: تَوْجِيهُ قَوْلِنَا: لَا تَتَحَمَّلُ الْعَاقِلَةُ قِيمَةَ الْعَبْدِ، لِأَنَّ الْجَانِيَ أَوْلَى بِجِنَايَتِهِ وَيُعَضِّدُ هَذَا سَائِرُ الْغَرَامَاتِ، يُعَارِضُهُ قِيَاسٌ أَخَصُّ وَهُوَ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْعَبْدِ الذِّمَّةُ، بِدَلِيلِ الْكَفَّارَةِ وَالْقِصَاصِ، وَضَرْبُ الْعَقْلِ سَبَبُهُ مَسِيسُ حَاجَةِ الْعَرَبِ إلَى مُعَاطَاةِ الْأَسْلِحَةِ، وَإِيقَافِ هَفَوَاتٍ، وَنَقْلِ الْأُرُوشِ عَنْ الْجُنَاةِ، فَإِنَّ هَذَا مِثَالٌ فَاسِدٌ، فَإِنَّ ضَرْبَ الْعَقْلِ مُسْتَثْنًى عَنْ الْقِيَاسِ وَهَذِهِ الْحِكْمَةُ تَعْوِيلٌ عَلَيْهَا.
الِاعْتِبَارُ الْخَامِسُ - بِحَسَبِ كَيْفِيَّةِ الْحُكْمِ وَقَدْ سَبَقَ فِي تَرْجِيحِ الْأَخْبَارِ فَلْيَأْتِ مِثْلُهُ هَاهُنَا، فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ نَاقِلَةً عَنْ حُكْمِ الْعَقْلِ وَالْأُخْرَى مُقَرَّرَةً عَلَى الْأَصْلِ، فَالنَّاقِلَةُ أَوْلَى عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُمَا، لِأَنَّ النَّاقِلَةَ أَثْبَتَتْ حُكْمًا شَرْعِيًّا، وَالْمُقَرَّرَةُ مَا أَثْبَتَتْ شَيْئًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْمُبْقِيَةُ أَوْلَى، لِاعْتِضَادِهَا بِحُكْمِ الْعَقْلِ الْمُسْتَقِلِّ بِالنَّفْيِ لَوْلَا هَذِهِ الْعِلَّةُ وَكَذَا قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: ذَهَبَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا إلَى تَرْجِيحِ النَّاقِلَةِ عَنْ الْعَادَةِ، وَبِهِ جَزَمَ إلْكِيَا، لِأَنَّ النَّاقِلَةَ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ الشَّرْعِ، وَالْأُخْرَى تَرْجِعُ إلَى عَدَمِ الدَّلِيلِ فَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُمَا وَقِيلَ: النَّاقِلَةُ وَالْمُوَافِقَةُ لِلْعَادَةِ سِيَّانِ، لِأَنَّ النَّسْخَ بِالْعِلَلِ لَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ الْخَبَرَيْنِ لِأَنَّ النَّسْخَ لِأَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ جَائِزٌ وَالْغَالِبُ فِي النَّسْخِ نَسْخُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute