للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: وَهَذِهِ الْعُلُومُ الَّتِي يُسْتَفَادُ مِنْهَا مَنْصِبُ الِاجْتِهَادِ، وَعِظَمُ ذَلِكَ يَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثِهِ فُنُونٍ: الْحَدِيثِ وَاللُّغَةِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ وَقَالَ الْإِمَامُ: أَهَمُّ الْعُلُومِ لِلْمُجْتَهِدِ أُصُولُ الْفِقْهِ وَشَرَطَ الْغَزَالِيُّ وَالرَّازِيَّ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ وَبِأَنَّنَا مُكَلَّفُونَ وَشَرَطَ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِلْكِيَا الطَّبَرِيُّ فِيهِ الْفِطْنَةَ وَالذَّكَاءَ، لِيَصِلَ بِهِمَا إلَى مَعْرِفَةِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ مِنْ أَمَارَاتِ الْمَنْطُوقِ، فَإِنْ قُلْت فِيهِ الْفِطْنَةُ وَالذَّكَاءُ لَمْ يَصِحَّ وَشَرَطَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ وَالْغَزَالِيُّ وَإِلْكِيَا وَغَيْرُهُمْ الْعَدَالَةَ بِالنِّسْبَةِ إلَى جَوَازِ الِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِهِ.

قَالُوا: وَأَمَّا هُوَ فِي نَفْسِهِ إذَا كَانَ عَالِمًا فَلَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ لِنَفْسِهِ وَيَأْخُذَ بِاجْتِهَادِهِ لِنَفْسِهِ فَالْعَدَالَةُ شَرْطٌ لِقَبُولِ الْفَتْوَى، لَا لِصِحَّةِ الِاجْتِهَادِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ غَيْرِهِمْ أَنَّ الْعَدَالَةَ رُكْنٌ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ: إنْ قَصَدَ بِالِاجْتِهَادِ الْعِلْمَ صَحَّ اجْتِهَادُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْحُكْمَ وَالْفُتْيَا كَانَتْ الْعَدَالَةُ شَرْطًا فِي نُفُوذِ حُكْمِهِ وَقَبُولِ فُتْيَاهُ، لِأَنَّ شَرَائِطَ الْحُكْمِ أَغْلَظُ مِنْ شَرَائِطِ الْفُتْيَا قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: لَكِنْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ ثِقَةً مَأْمُونًا، غَيْرَ مُتَسَاهِلٍ فِي أَمْرِ الدِّينِ قَالَ: وَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ مُرَادُهُمْ بِهِ مَا وَرَاءَ هَذَا وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ تَبَحُّرِهِ فِي أُصُولِ الدِّينِ عَلَى وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ: (أَحَدُهُمَا) الِاشْتِرَاطُ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَدَرِيَّةِ وَ (الثَّانِي) لَا يُشْتَرَطُ بَلْ مِنْ أَشْرَفَ مِنْهُ عَلَى وَصْفِ الْمُؤْمِنِ كَفَاهُ قَالَ: وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ جُلُّ أَصْحَابِ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَغَيْرُهُمْ وَأَطْلَقَ الرَّازِيَّ عَدَمَ اشْتِرَاطِ عِلْمِ الْكَلَامِ، وَفَصَّلَ الْآمِدِيُّ فَشَرَطَ الضَّرُورِيَّاتِ، كَالْعِلْمِ بِوُجُودِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَصِفَاتِهِ وَمَا يَسْتَحِقُّهُ وُجُوبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>