مَضَى وَحَدَثَ مِنْ الْخِلَافِ، وَيَسْأَلُ كُلَّ فِرْقَةٍ عَمَّا اخْتَارَتْ، وَيَمْنَعُهُمْ مِنْ الْغَلَبَةِ وَالْمُفَاخَرَةِ، وَيَأْمُرُهُمْ بِالْإِنْصَافِ وَالْمُنَاصَحَةِ، وَيَحُضُّهُمْ عَلَى الْقَصْدِ بِهِ إلَى اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: ٣٥] فَبِذَلِكَ يَتَبَيَّنُ لَهُمْ النَّظَرُ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا لَمْ يَقُمْ الْإِمَامُ بِذَلِكَ فَالسَّبِيلُ إلَى مَعْرِفَتِهِ، قِيلَ: عَلَى الْعَالِمِ الَّذِي وَقَفَ فِي الْفَتْوَى مَوْقِفَ الْإِمَامِ أَنْ يَطْلُبَ الْعُلَمَاءَ فَيُنَاظِرَهُمْ بِمِثْلِ مُنَاظَرَةِ الْإِمَامِ، فَإِنْ كَانَ - أَوْ كَانُوا - بِمَوْضِعٍ لَا يَصِلُ فِيهِ إلَيْهِمْ فَأَقْرَبُ مَا بَعْدَ ذَلِكَ النَّظَرُ فِي كُتُبِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ السَّلَفِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالِاحْتِجَاجُ لَهُمْ، وَعَلَيْهِمْ تَتَبُّعُ الْحَقِّ مِمَّنْ قَامَتْ حُجَّتُهُ فِيهِمْ بِمَا وُصِفَتْ، وَإِدَامَةُ الرَّغْبَةِ إلَى اللَّهِ فِي تَوْفِيقِهِ لِلْفَهْمِ فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّهُ لَا يُدْرِكُ خَيْرًا إلَّا بِمَعْرِفَتِهِ. انْتَهَى. وَهِيَ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ. .
فَائِدَةٌ عَلَى فَقِيهِ النَّفْسِ ذِي الْمَلَكَةِ الصَّحِيحَةِ تَتَبُّعُ أَلْفَاظِ الْوَحْيَيْنِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاسْتِخْرَاجُ الْمَعَانِي مِنْهُمَا. وَمَنْ جَعَلَ ذَلِكَ دَأْبَهُ وَجَدَهَا مَمْلُوءَةً، وَوَرَدَ الْبَحْرَ الَّذِي لَا يَنْزِفُ، وَكُلَّمَا ظَفِرَ بِأَيَّةٍ طَلَبَ مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهَا، وَاسْتَمَدَّ مِنْ الْوَهَّابِ. وَمِنْ فِقْهِ الْفِقْهِ قَوْلُهُمْ فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ «هَلَّا أَخَذْتُمْ إهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ» إنَّ فِيهِ احْتِيَاطًا لِلْمَالِ وَإِنَّهُ مَهْمَا أَمْكَنَ أَنْ لَا يُضَيَّعَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُضَيَّعَ. وَالْفَقِيهُ أَعْلَى، يَأْخُذُ مِنْ هَذَا مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ، وَهُوَ أَنَّ الْجَالِسَ عَلَى الْحَاجَةِ، أَوْ الْمُسْتَرِيحَ عَلَى الْقَارِعَةِ تَحْتَ ظِلِّ شَجَرَةٍ إذَا بَاحَثَ نَفْسَهُ قَالَ لَهَا: هَلَّا حَصَّلْت ثَوَابًا وَعَمَلًا صَالِحًا، فَإِذَا قَالَ لَهُ الْوَسْوَاسُ: أَنْتَ عَلَى الْخَلَاءِ، وَمَا عَسَاك تُحَصِّلُ مِنْ الطَّاعَةِ وَأَنْتَ بِمَكَانٍ تَنَزَّهَ عَنْهُ ذِكْرُ اللَّهِ، يَقُولُ، إنَّمَا مُنِعْنَا ذِكْرَ اللَّهِ بِالْأَلْسُنِ، فَهَلَّا اسْتَحْضَرْتَ ذِكْرَ الْمُنْعِمِ بِدَفْعِ هَذَا الْأَذَى عَنَّا، وَتَهَيُّؤِ الْقُوَّةِ الدَّافِعَةِ، حَتَّى لَا يَخْلُو تَحْصِيلُ الطَّاعَةِ مِنْ الْمَحَالِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute