للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَذِرَةِ. كَمَا أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَغْفُلْ عَنْ فَتْحِ تَحْصِيلِ الْمَالِ مِنْ الْمُقَذَّرَاتِ وَالْمَيْتَاتِ بِمُعَالَجَةِ الدِّبَاغِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا، فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَهُنَّ» فَيَتَعَدَّى اسْتِنْبَاطُهُ إلَى تَحْرِيمِ كُلِّ مَا يُوقِعُ الْقَطِيعَةَ وَالْوَحْشَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَإِفْسَادَ مَا بَيْنَهُمْ حَتَّى السَّعْيَ عَلَى بَعْضِهِمْ فِي مَنَاصِبِ بَعْضٍ وَوَظِيفَتِهِ مِنْ غَيْرِ مُوجِبٍ شَرْعِيٍّ، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ وَأَمْثَالِهِ تَغْنَمُ بِتَحْصِيلِ الْفَوَائِدِ وَتَثْمِيرِ الْأَعْمَالِ. .

مَسْأَلَةٌ ادَّعَى الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ حُكْمٌ كَانَ ذَلِكَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَقِّهِ وَحَقِّ مَنْ قَلَّدَهُ حَتَّى لَوْ اعْتَقَدَ خِلَافَ الْإِجْمَاعِ لِدَلِيلٍ كَانَ حُكْمَ اللَّهِ فِي حَقِّهِ إلَى أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى مُخَالَفَتِهِ الْإِجْمَاعَ. وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ فِي سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ " - وَهُوَ مِنْ كُتُبِ " الْأُمِّ " مِنْ أَوَاخِرِهَا -: فَإِذَا قَدِمَ الْمُرْتَدُّ لِيُقْتَلَ فَشَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَقَتَلَهُ بَعْضُ الْوُلَاةِ فَاَلَّذِينَ لَا يَرَوْنَ أَنْ يُسْتَتَابَ الْمُرْتَدُّ فَعَلَى قَاتِلِهِ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ، وَلَوْلَا الشُّبْهَةُ لَكَانَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ. وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ فِي بَابِ الْإِحْصَارِ مِنْ تَعْلِيقِهِ " أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي كِتَابِ الْمَنَاسِكِ الْكَبِيرِ: لَوْ كَانَ يَذْهَبُ - أَيْ الْمُحْرِمُ - إلَى أَنَّ الْمَرِيضَ يَحِلُّ إذَا بَعَثَ الْهَدْيَ بِمِنًى، فَبَعَثَ الْهَدْيَ فَنَحَرَ هُنَاكَ أَوْ ذَبَحَ لَمْ يَحِلَّ. وَكَانَ عَلَى إحْرَامِهِ، وَإِذَا رَجَعَ إلَى مَكَّةَ كَانَ حَرَامًا كَمَا كَانَ. (قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) : وَهَذَا يَدُلُّ مِنْ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ مَذْهَبًا وَعَمِلَ بِهِ لَمْ يَحْكُمْ بِصِحَّةِ فِعْلِهِ عِنْدَهُ، لِأَنَّ هَذَا اعْتَقَدَ جَوَازَ التَّحَلُّلِ وَتَحَلَّلَ وَلَمْ يَجْعَلْهُ حَلَالًا بِذَلِكَ وَلَمْ نُصَحِّحْهُ فِي حَقِّهِ. وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ فِي " الْبَحْرِ " عَنْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَأَقَرَّهُ. وَقَالَ الْأَصْحَابُ فِي بَابِ الزِّنَا فِي الشُّبْهَةِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>