للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَكُلُّ مَوْضِعٍ رَأَيْت فِيهِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ فَاقْرَأْ الْبَابَ فَإِنَّك تَجِدُ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ نَصًّا عَلَى أَنَّ الْحَقَّ فِي وَاحِدٍ، وَأَنَّ مَا عَدَاهُ خَطَأٌ. ثُمَّ غَلَّطَ أَبُو إِسْحَاقَ الْقَوْلَ عَلَى مَنْ نَسَبَ إلَى الشَّافِعِيِّ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا مَذْهَبُهُ: إذَا اجْتَهَدَ اثْنَانِ فِي الْقِبْلَةِ فَأَدَّى اجْتِهَادُهُمَا إلَى جِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ فَتَوَجَّهَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى جِهَتِهِ، وَلَوْ ائْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ مُخْطِئٌ عِنْدَهُ. وَكَذَلِكَ مَنْ صَلَى خَلَفَ مَنْ لَا يَقْرَأُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ، وَلَهُ نَظَائِرُ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ قَالَ: وَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ ذَكَرَ قَوْلَيْنِ فِيمَنْ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ بِيَقِينٍ، هَلْ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ أَمْ لَا؟ وَالْأَصَحُّ: عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ. وَمَنْ يَقُولُ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ يَقُولُ: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ قَالَ: لَوْ دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى مَنْ ظَاهِرُهُ الْفَقْرُ فَبَانَ غَنِيًّا، تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ؟ قَوْلَانِ: قَالَ الْقَاضِي: وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ اخْتِيَارُ أَبِي حَامِدٍ، وَهُوَ الَّذِي حَكَاهَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. وَالصَّحِيحُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ مَا ذَكَرْنَا. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ صَاحِبُ " الْإِيضَاحِ " فِي " أُصُولِهِ " إنَّ اللَّهَ نَصَّبَ عَلَى الْحَقِّ عَلَمًا، وَجَعَلَ لَهُمْ إلَيْهِ طَرِيقًا فَمَنْ أَصَابَهُ فَقَدْ أَصَابَ الْحَقَّ، وَمَنْ أَخْطَأَهُ عُذِرَ بِخَطَئِهِ وَأُجِرَ عَلَى قَصْدِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجُمْلَةُ أَصْحَابِهِ. وَقَدْ اسْتَقْصَى الْمُزَنِيّ ذَلِكَ فِي كِتَابِ " التَّرْغِيبِ فِي الْعِلْمِ " وَقَطَعَ بِأَنَّ الْحَقَّ فِي وَاحِدٍ وَدَلَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: إنَّهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَهُوَ مَذْهَبُ كُلِّ مَنْ صَنَّفَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مِنْ الْأَشْعَرِيِّينَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ. وَابْنُ فَوْرَك وَأَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ، وَقَالَ: نُقِضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْبَصْرِيِّ الْمَعْرُوفِ بِجُعَلٍ. وَقَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا، وَقَدْ أَبَانَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>