للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَشْهُورُ مِنْ مَذَاهِبِ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ وَالْمَرِيسِيُّ. وَقَالَ الْمُزَنِيّ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، إلَّا أَنَّ الْحَقَّ فِي وَاحِدٍ مِنْ أَقْوَالِهِمْ.

قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: فِيهَا مَسَائِلُ نَقَضُوا فِيهَا الْحُكْمَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ، كَالْحُكْمِ بِالنُّكُولِ وَسَائِرِ مَا حَكَمَ بِهِ أَهْلُ الْعِرَاقِ بِالِاسْتِحْسَانِ، وَأَوْجَبُوا الْحَدَّ عَلَى وَاطِئِ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ وَالْأُخْتِ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَيْهِنَّ، وَعَلَى الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَإِنْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِإِسْقَاطِ الْحَدِّ فِي ذَلِكَ. وَأَوْجَبُوا إعَادَةَ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ تَوَضَّأَ بِنَبِيذِ التَّمْرِ أَوْ تَرَكَ النِّيَّةَ أَوْ التَّرْتِيبَ فِي الْوُضُوءِ، وَإِعَادَةَ الصَّوْمِ عَلَى مَنْ تَرَكَ نِيَّتَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ، أَوْ نَوَى فِي فَرْضِهِ التَّطَوُّعَ، وَكَذَلِكَ نَقَضُوا الْحُكْمَ عَلَى مَنْ حَكَمَ بِخِلَافِ خَبَرِ الْمُصَرَّاةِ، وَخَبَرِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ، وَالْعَرَايَا، وَالْفَلَسِ. وَكَانَ الْإِصْطَخْرِيُّ وَالصَّيْرَفِيُّ يَنْقُضَانِ الْحُكْمَ عَلَى مَنْ حَكَمَ بِصِحَّةِ نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شَهَادَةَ، أَوْ شَهَادَةَ فَاسِقَيْنِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ قَبْلَ قَوْلِ الْمُزَنِيّ: إنَّ الْحَقَّ فِي وَاحِدٍ إلَّا أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يُكَلَّفْ إصَابَةَ الْحَقِّ، وَإِنَّمَا كُلِّفَ فِعْلَ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ.

وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُزَنِيّ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِيمَنْ صَلَّى إلَى بَعْضِ الْجِهَاتِ بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ عَلِمَ خَطَأَهُ بِيَقِينٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُكَلَّفْ عِنْدَهُمَا إصَابَةَ عَيْنِ الْقِبْلَةِ، وَإِنَّمَا كُلِّفَ الصَّلَاةَ بِالِاجْتِهَادِ. انْتَهَى. وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي كِتَابِ " فَسَادِ التَّقْلِيدِ " لِلْمُزَنِيِّ تَرْجِيحَ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ، وَأَطَالَ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ إنْكَارُ الصَّحَابَةِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْفَتَاوَى، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ لِمُخَالِفِهِ: قَدْ أَصَبْت فِيمَا خَالَفْتَنِي فِيهِ، قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ، وَيُرْوَى عَنْ السَّمْتِيِّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ خَطَأٌ، وَالْإِثْمُ فِيهِ مَرْفُوعٌ، قَالَ: وَجَاءَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ حَكَمَ بَيْنَ خَصْمَيْنِ فِي طَسْتٍ ثُمَّ غَرِمَهُ لِلْمُقْضَى عَلَيْهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ: فَلَوْ كَانَ يَقْطَعُ بِأَنَّ الَّذِي قَضَى بِهِ هُوَ الْحَقُّ لَمَا تَأَثَّمَ مِنْ الْحَقِّ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَلَا غَرِمَ لِلظَّالِمِ ثَمَنَ طَسْتٍ فِي حُكْمِ اللَّهِ أَنَّهُ ظَالِمٌ بِمَنْعِهِ إيَّاهُ مِنْ صَاحِبِهِ، قَالَ: وَلَكِنَّهُ عِنْدِي

<<  <  ج: ص:  >  >>