للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَافَ أَنْ يَكُونَ قَضَى عَلَيْهِ بِمَا أَغْفَلَ مِنْهُ وَظَلَمَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ، فَتَوَرَّعَ فَاسْتَحَلَّ ذَلِكَ مِنْهُ وَغَرِمَهُ لَهُ، وَلَوْ كَانَ غَرِمَهُ لَهُ وَهُوَ يَسْتَيْقِنُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا طَلَبُ الثَّوَابِ لَمَا خَفِيَ عَلَيْهِ أَنَّ إعْطَاءَهُ لِمُحْتَاجٍ أَعْظَمَ لِأَجْرِهِ. انْتَهَى.

وَقَالَ فِي " الْمَنْخُولِ ": ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ، وَصَارَ الْقَاضِي وَأَبُو الْحُسَيْنِ فِي طَبَقَةِ الْمُتَكَلِّمِينَ إلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُصِيبٌ، وَالْغُلَاةُ مِنْهُمْ أَثْبَتُوا أَوْ نَفَوْا مَطْلُوبًا مُعَيَّنًا. وَعَزَا الْقَاضِي مَذْهَبَهُ لِلشَّافِعِيِّ وَقَالَ: لَوْلَاهُ لَكُنْت لَا أَعُدُّهُ مِنْ أَحْزَابِ الْأُصُولِيِّينَ. ثُمَّ قَالَ: وَالْمُخْتَارُ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ فِي عَمَلِهِ قَطْعًا. وَقَالَ فِي " الْمُسْتَصْفَى ": الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا وَهُوَ الَّذِي يُقْطَعُ بِهِ وَيُخْطِئُ الْمُخَالِفُ فِيهِ، أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ فِي الظَّنِّيَّاتِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا حُكْمٌ مُعَيَّنٌ لِلَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ إلْكِيَا: انْقَسَمُوا عَلَى قِسْمَيْنِ: غُلَاةٌ وَمُقْتَصِدَةٌ. فَالْغُلَاةُ افْتَرَقُوا مِنْ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْهَا أَنْ يَأْخُذَ بِالتَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ، إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُسْتَدْرَكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالِاجْتِهَادِ، وَيَأْخُذُ بِمَا يَشَاءُ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ: هَذَا الْمَذْهَبُ أَوَّلُهُ سَفْسَطَةٌ وَآخِرُهُ زَنْدَقَةٌ، أَمَّا السَّفْسَطَةُ فَلِكَوْنِهِ حَلَالًا حَرَامًا فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ، وَأَمَّا الزَّنْدَقَةُ فَهُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِ الْإِبَاحَةِ. و (الثَّانِي) ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ الْمَطَالِبَ مُتَعَدِّدَةٌ. فَلَا بُدَّ مِنْ أَصْلِ الِاجْتِهَادِ، وَلَكِنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ كُلِّ مُجْتَهِدٍ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>